{ أليس ذلك } الذي فعل هذا { بقادر على أن يحيي الموتى } . أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود سليمان بن أشعث ، حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، حدثني إسماعيل بن أمية قال : سمعت أعرابياً يقول سمعت أبا هريرة يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : { أليس الله بأحكم الحاكمين }( التين- 8 ) ، فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، ومن قرأ : { لا أقسم بيوم القيامة } فانتهى إلى : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } فليقل : بلى ، ومن قرأ : { والمرسلات } فبلغ { فبأي حديث بعده يؤمنون } فليقل : آمنا بالله " . أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أنبأنا القاسم بن جعفر ، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي ، أنبأنا أبو داود ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة قال : " كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } قال : سبحانك بلى ، فسألوه عن ذلك فقال : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
ثم قال : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } أي : أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه ؟ وتناولُ القدرة للإعادة إما بطريق الأولى بالنسبة إلى البداءة ، وإما مساوية على القولين في قوله : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .
والأول أشهر كما تقدم في سورة " الروم " بيانه وتقريره ، والله أعلم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا شبابة ، عن شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن آخر : أنه كان فوق سطح يقرأ ويرفع صوته بالقرآن ، فإذا قرأ : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } ؟ قال : سبحانك اللهم فبلى . فسئل عن ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك . وقال أبو داود ، رحمه الله : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة قال : كان رجل يصلي فوق بيته ، فكان إذا قرأ : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } ؟ قال{[29574]} سبحانك ، فبلى ، فسألوه عن ذلك فقال : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تفرد به أبو داود{[29575]} ولم يسم هذا الصحابي ، ولا يضر ذلك .
وقال أبو داود أيضا : حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، حدثني إسماعيل بن أمية : سمعت أعرابيا يقول : سمعت أبا هُرَيرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } ؟ فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين . ومن قرأ : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } فانتهى إلى : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } ؟ فليقل : بلى . ومن قرأ : { وَالْمُرْسَلات } فبلغ { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ؟ فليقل : آمنا بالله " .
ورواه أحمد ، عن سفيان بن عيينة . ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة{[29576]} . وقد رواه شعبة ، عن إسماعيل بن أمية قال : قلت له : من حدثك ؟ قال رجل صدق ، عن أبي هريرة{[29577]}
وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } ذُكِر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : " سبحانك وبلى " {[29578]} .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس أنه مر بهذه الآية : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } ؟ ، قال : سبحانك ؛ فبلى .
ثم وقف تعالى توقيف التوبيخ وإقامة الحجة بقوله : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } وقرأ الجمهور بفتح الياء الأخيرة من » يحييَ « ، وقرأ طلحة بن مصرف وسليمان والفياض بن غزوان بسكونها ، هي تنحذف من اللفظ لسكون اللام من { الموتى } ، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : » سبحانك اللهم وبحمدك وبلى{[11493]} « ، ويروى أنه كان يقول : » بلى{[11494]} «فقط .
وجملة { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } واقعة موقع النتيجة من الدليل لأن خلق جسم الإِنسان من عدم وهو أمر ثابت بضرورة المشاهدة ، أحق بالاستبعاد من إعادة الحياة إلى الجسم بعد الموت سواء بقي الجسم غير ناقص أو نقص بعضُه أو معظمه فهو إلى بَثثِ الحياة فيه وإعادةِ ما فنِيَ من أجزائه أقرب من إيجاد الجسم من عدم .
والاستفهام إنكار للمنفي إنكارَ تقرير بالإِثبات وهذا غالب استعمال الاستفهام التقريري أن يقع على نفي ما يراد إثباته ليكون ذلك كالتوسعة على المقرَّر إن أراد إنكاراً كناية عن ثقة المتكلم بأن المخاطب لا يستطيع الإِنكار .
وقد جاء في هذا الختام بمحسّن ردّ العجز على الصدر ، فإن السورة افتتحت بإنكار أن يحسب المشركون استحالة البعث ، وتسلسلَ الكلام في ذلك بأفانين من الإِثبات والتهديد والتشريط والاستدلال ، إلى أن أفضى إلى استنتاج أن الله قادر على أن يحييَ الموتى وهو المطلوب الذي قدم في قوله : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بَنَانه } [ القيامة : 3 ، 4 ] .
وتعميم الموتى في قوله : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } بعدَ جريان أسلوببِ الكلام على خصوص الإِنسان الكافر أو خصوص كافر معيّن ، يجعل جملة { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } تذييلاً .