الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَلَيۡسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ} (40)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أليس ذلك} يعني أما ذلك {بقادر} الذي بدأ خلق هذا الإنسان {على أن يحي الموتى} يعني بقادر على البعث بعد الموت.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أليس الذي فعل ذلك فخلق هذا الإنسان من نطفة، ثم علقة حتى صيره إنسانا سويا، له أولاد ذكور وإناث، بقادر على أن يُحييَ الموتى من مماتهم، فيوجدهم كما كانوا من قبل مماتهم. يقول: معلوم أن الذي قَدِر على خَلق الإنسان من نطفة من منيّ يمنى، حتى صيره بشرا سويا، لا يُعجزه إحياء ميت من بعد مماته.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك قال: «بلى».

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} فقوله: {أليس} في موضع التحقيق والتقرير، وإن كان خارجا مخرج الاستفهام على ما ذكرنا أن ما يخرج مخرج لاستفهام من الله تعالى فحقه أن يصرف إلى الوجه الذي يقتضيه ذلك الخطاب، إذ لو كان من مستفهم ممن قال لآخر في الشاهد: أليس الله تعالى بقادر على إحياء الموتى؟ فحقه أن يقول: بلى هو قادر على ذلك. وكذلك ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين تلا هذه الآية: (سبحانك، فبلى) (أبو داوود 884).

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم وقف تعالى توقيف التوبيخ وإقامة الحجة بقوله: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}.

ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال:» سبحانك اللهم وبحمدك وبلى «، ويروى أنه كان يقول:» بلى «فقط.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأمام هذه الحقيقة التي تفرض نفسها فرضا على الحس البشري، يجيء الإيقاع الشامل لجملة من الحقائق التي تعالجها السورة: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟).. بلى! سبحانه! فإنه لقادر على أن يحيي الموتى! بلى! سبحانه! فإنه لقادر على النشأة الأخرى! بلى! سبحانه! وما يملك الإنسان إلا أن يخشع أمام هذه الحقيقة التي تفرض نفسها فرضا. وهكذا تنتهي السورة بهذا الإيقاع الحاسم الجازم، القوي العميق، الذي يملأ الحس ويفيض، بحقيقة الوجود الإنساني وما وراءها من تدبير وتقدير.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} واقعة موقع النتيجة من الدليل لأن خلق جسم الإِنسان من عدم وهو أمر ثابت بضرورة المشاهدة، أحق بالاستبعاد من إعادة الحياة إلى الجسم بعد الموت سواء بقي الجسم غير ناقص أو نقص بعضُه أو معظمه فهو إلى بَثثِ الحياة فيه وإعادةِ ما فنِيَ من أجزائه أقرب من إيجاد الجسم من عدم.

والاستفهام إنكار للمنفي إنكارَ تقرير بالإِثبات وهذا غالب استعمال الاستفهام التقريري أن يقع على نفي ما يراد إثباته ليكون ذلك كالتوسعة على المقرَّر إن أراد إنكاراً كناية عن ثقة المتكلم بأن المخاطب لا يستطيع الإِنكار.

وقد جاء في هذا الختام بمحسّن ردّ العجز على الصدر، فإن السورة افتتحت بإنكار أن يحسب المشركون استحالة البعث، وتسلسلَ الكلام في ذلك بأفانين من الإِثبات والتهديد والتشريط والاستدلال، إلى أن أفضى إلى استنتاج أن الله قادر على أن يحييَ الموتى، وهو المطلوب الذي قدم في قوله: {أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بَنَانه} [القيامة: 3، 4].

وتعميم الموتى في قوله: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} بعدَ جريان أسلوبِ الكلام على خصوص الإِنسان الكافر أو خصوص كافر معيّن، يجعل جملة {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} تذييلاً.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أليس من يخلق النطفة الصغيرة القذرة في ظلمة رحم الأم ويجعله خلقاً جديداً كلّ يوم، ويلبسهُ من الحياة لباساً جديداً ويهبهُ شكلاً مستحدثاً ليكون بعد ذلك إنساناً كاملاً ذكراً أو أُنثى ثم يولد من اُمّه، بقادر على إعادته: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)؟!

وهذا البيان في الواقع هو لمن ينكر المعاد الجسماني ويعدهُ محالاً، وينفي العودة إلى الحياة بعد الموت والدفن، ولإثبات ذلك أخذ القرآن بيد الإنسان ليرجعه إلى التفكر ببداية خلقه، والمراحل العجيبة للجنين ليريه تطورات هذه المراحل، وليعلم أنَّ الله قادر على كلِّ شيء، وبعبارة أُخرى إن أفضل دليل لحدوث الشيء هو وقوعه.

ملاحظتان

ـ أطوار الجنين أو البعثات المكررة!

«النطفة»: أصلها الماء القليل أو الماء الصافي، وقيل ذلك للقطرات المائية المسببة لوجود الإنسان أو الحيوان عن طريق اللقاح.

وفي الحقيقة أنَّ تحول النطفة في المرحلة الجنينية من عجائب عالم الوجود وهو موضوع «علم الأجنة» وقد كشف عن كثير من أسراره في القرون الأخيرة.

القرآن الكريم أكدّ منذ ذلك اليوم الذي لم تكشف فيه هذه الأُمور بعد ـ على ذلك مراراً باعتباره أحد علائم القدرة الإِلهية، وهذا هو بحدّ ذاته من علائم عظمة هذا الكتاب السماوي العظيم وإعجازه.

ومع أنَّ هذه الآيات ذكرت بعض مراحل الجنين، فإنَّ هناك آيات قرآنية أُخرى بيَّنت مراحل أكثر ممّا ذكر هنا، كصدر آيات سورة الحج وأوائل سورة المؤمنين، وذكرنا شرحاً مفصَّلاً في ذيل هذه الآيات في هذا المجال.

والآية تتضمّن كلمة (ذلك) وهو اسم إشارة للبعيد، فيما يخص الله تعالى، وهو كناية لعظمة مقامه تعالى، وإشارة إلى أنَّ ذاته المقدّسة لا يتمكن البشر من إدراكها ومعرفتها.

وجاء في رواية لما نزلت هذه الآية: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) أنَّ رسول الله قال: «سبحانك اللّهم، وبلى».

ونقل هذا المعنى أيضاً عن الإمامين أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق عليهما السلام.

ـ نظام الأجناس البشرية

لا يزال العلم قاصراً في معرفة العوامل الأصلية التي تؤثر في تبديل جنس المذكر أو المؤنث رغم البحوث الكثيرة التي أُجريت في هذا الصدد، صحيح أنَّ بعض المواد الغذائية أو الأدوية يمكن أن تؤثر في هذه المسألة، ولكن من اليقين أن أيّاً منها لا يكون معيّناً لها، وبعبارة أُخرى أن هذا هو أمرٌ علمهُ عند الله تعالى.

ويرى من جهة أُخرى التعادل النسبي المستمر بين هذين الجنسين في كلِّ المجتمعات، وإن كان عدد النساء أكثر في أغلب المجتمعات، وازدياد عدد الرجال في مجتمعات أُخرى، ولكن الحصيلة تشير إلى وجود التعادل النسبي بين الجنسين، فلو فرضنا أن اختل يوماً هذا التعادل، وتضاعف عدد النساء مثلاً إلى عشرة أضعاف، أو أن عدد الرجال تضاعف عشرة أضعاف النساء. عندئذ كيف سيختل نظام المجتمع الإِنساني؟ وماذا سيتخلف فيه من المفاسد العجيبة بحيث تقابل المرأة عشرة رجال، أو يقابل الرجل عشر نساء، وما يقام من غوغاء!؟

الآية السالفة تقول: (فجعل منه الزوجين الذكر والأُنثى) وهي إشارة لطيفة لموضوعين: فمن جهة تشير الى تنوع البشر، وتقسيمهم إلى هذين الجنسين في مرحلة الجنين، ومن جهة أُخرى تشير إلى هذا التعادل النسبي.