اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَيۡسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ} (40)

قوله تعالى : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بَقَادِرٍ } أي : أليس الذي قدر على خلق هذه النسمة من قطرة ماء .

وقوله : «بقَادرٍ » اسم فاعل مجرور ب «باء » زائدة في خبر «ليس » وهذه قراءة العامة .

وقرأ زيد بن علي{[58770]} : «يقدر » فعلاً مضارعاً .

والعامة : على نصب «يحيى » ب «أن » لأن الفتحة خفيفة على حرف العلة .

وقرأ طلحة{[58771]} بن سليمان والفياض بن غزوان : بسكونها ، فإما أن يكون خفف حرف العلة بحذف حرف الإعراب . وإما أن يكون أجرى الوصل مجرى الوقف ، وجمهور النَّاس على وجوب فك الإدغام .

قال أبو البقاء : لئلا يجمع بين ساكنين لفظاً وتقديراً .

يعني أن الحاء ساكنة ، فلو أدغمنا لسكنا الياء الأولى أيضاً للإدغام ، فيلتقي ساكنان لفظاً ، وهو متعذر النطق ، فهذان ساكنان لفظاً .

وأما قوله : تقديراً ؛ فإن بعض الناس جوز الإدغام في ذلك ، وقراءته{[58772]} أن يُحْيِّ ، وذلك أنه لما أراد الإدغام نقل حركة الياء الأولى إلى الحاء فأدغمها فالتقى ساكنان ، الحاء لأنها ساكنة في الأصل قبل النقل إليها والياء ؛ لأن حركتها نقلت من عليها إلى الحاء ؛ واستشهد الفراء لهذه القراءة بقول الشاعر : [ الكامل ]

5018 - تَمْشِي بِسُدَّة بَيْتهَا فَتُعيّ *** . . . {[58773]}

وأما أهل «البصرة » فلا يدغمونه ألبتة قالوا : لأن حركة الياء عارضة إذ هي للإعراب .

وقال مكي : وقد أجمعوا على عدم الإدغام في حال الرفع ، وأما في حال النصب فقد أجازه الفرَّاء لأجل تحرك الياء الثانية ، وهو لا يجوز عند البصريين ، لأن الحركة عارضة .

قال شهاب الدين{[58774]} : ادعاؤه الإجماع مردود بالبيت الذي تقدم إنشاده عن الفراء ، وهو قوله : «فتعيّ » فهذا مرفوع وقد أدغم ، ولا يبعد ذلك لأنه لما أدغم ظهرت تلك الحركة لسكون ما قبل الياء بالإدغام " .

فصل في معنى الآية

المعنى الذي قدر على خلق هذه النسمة من قطرة ماء قادر على أن يحيي الموتى أي : أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها للبعث بعد البِلَى .

ختام السورة:

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنَّه كَانَ إذَا قَرأهَا ، قال : «سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وبَلَى »{[1]} .

وقال ابن عباس : من قرأ { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى } إماماً كان أو غيره فليقل : " سُبْحَانَ ربِّيّ الأعْلَى " ومن قرأ :{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة } إلى آخرها فليقل : سبحانك اللهم بلى ، إماماً كان أو غير{[2]} .

روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنَ قَرَأ سُورةَ القِيامةِ شَهِدتُ أنَا وجِبْريلُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أنه كَانَ مُؤمِناً بِيوم القِيامَةِ وجَاءَ وَوجْههُ يُسْفِرُ عَن وُجُوهِ الخَلائقِ يَوْمَ القِيامَةِ " {[3]} والله أعلم وأحكم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[58770]:ينظر: البحر المحيط 8/382، والدر المصون 6/434.
[58771]:ينظر: السابق، والمحرر الوجيز 5/407.
[58772]:ينظر: البحر المحيط 8/382، والدر المصون 6/435.
[58773]:تقدم.
[58774]:الدر المصون 6/435.