الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَيۡسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ} (40)

وقرأ العامَّةُ أيضاً " بقادرٍ " اسمَ فاعلٍ مجروراً بباءٍ زائدةٍ في خبرِ " ليس " . وزيدُ بن علي " يَقْدِرُ " فعلاً مضارعاً . والعامَّةُ على نصب " يُحْيِيَ " ب " أَنْ " لأنَّ الفتحةَ خفيفةٌ على حرفِ العلةِ . وقرأ طلحةُ بن سليمان والفياض بن غزوان بسكونها : فإمَّا أَنْ يكونَ خَفَّفَ حرفَ العلةِ بحَذْفِ حركةِ الإِعرابِ ، وإمَّا أَنْ يكونَ أجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ .

وجمهورُ الناسِ على وجوبِ فَكِّ الإِدغامِ . قال أبو البقاء : " لئلا يُجْمَعَ بين ساكنَيْن لفظاً أو تقديراً " . قلت : يعني أنَّ الحاءَ ساكنةٌ ، فلو أَدْغَمْنا لسَكَنَّا الياءَ الأولى أيضاً للإِدغام فيَلْتقي ساكنان لفظاً ، وهو مُتَعَذَّرُ النطقِ ، فهذان ساكنان لفظاً . وأمَّا قولُه : " تقديراً " فإنَّ بعضَ الناسِ جوَّز الإِدغامَ في ذلك ، وقراءتُه " أَنْ يُحِيَّ " وذلك أنه لَمَّا أراد الإِدغامَ نَقَلَ حركةَ الياءِ الأولى إلى الحاء ، وأدغمها ، فالتقى ساكنان : الحاءُ لأنها ساكنةٌ في التقدير قبل النقلِ إليها والياءُ ؛ لأنَّ حركتَها نُقِلَتْ مِنْ عليها إلى الحاءِ ، واستشهد الفراءُ لهذه القراءةِ : بقوله :

4429 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَمْشِي لسُدَّةِ بيتها فَتُعِيُّ

وأمَّا أهلُ البصرةِ فلا يُدْغِمونه البتةَ ، قالوا : لأنَّ حركةَ الياءِ عارضةٌ ؛ إذ هي للإِعرابِ . وقال مكي : " وقد أجمعوا على عَدَمِ الإِدغامِ في حالِ الرفع . فأمَّا في حالِ النصبِ فقد أجازه الفراءُ لأجلِ تحرُّك الياء الثانيةِ ، وهو لا يجوزُ عند البَصْريين ؛ لأنَّ الحركةَ عارضةٌ " قلت : ادعاؤُه الإِجماعَ مردودٌ بالبيتِ الذي قَدَّمْتُ إنشاده عن الفراءِ ، وهو قوله : " فَتُعِيُّ " فهذا مرفوعٌ وقد أُدْغِمَ . ولا يَبْعُدُ ذلك ؛ لأنَّه لَمَّا أُدْغِم ظهرَتْ تلك الحركةُ لسكونِ ما قبل الياءِ بالإِدغام .