يقول تعالى ممتنا على عباده ، بما خلق لهم من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 72 ] ، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب ، ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية ، والأقطار الشاسعة . والبقر تؤكل ، ويشرب لبنها ، وتحرث عليها الأرض . والغنم تؤكل ، ويشرب لبنها ، والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ، فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة كما فَصَّل وبَيَّنَ في أماكن تقدم ذكرها في " سورة الأنعام " {[25599]} ، و " سورة النحل " {[25600]} ، وغير ذلك ؛ ولهذا قال هاهنا : { لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } .
{ ولكم فيها منافع } كالألبان والجلود والأوبار . { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } بالمسافرة عليها . { وعليها } في البر . { وعلى الفلك } في البحر { تحملون } وإنما قال { وعلى الفلك } ولم يقل في الفلك للمزاوجة ، وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة . وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة ، أو للفرق بين العين والمنفعة .
ثم ذكر تعالى المنافع ذكراً مجملاً ، لأنها أكثر من أن تحصى .
وقوله تعالى : { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } يريد قطع المهامه{[10029]} الطويلة والمشاق البعيدة . و : { الفلك } السفن ، وهو هنا جمع . و : { تحملون } يريد : براً وبحراً . وكرر الحمل عليها ، وقد تقدم ذكر ركوبها لأن المعنى مختلف وفي الأمرين تغاير ، وذلك أن الركوب هو المتعارف فيما قرب واستعمل في القرى والمواطن نظير الأكل منها وسائر المنافع بها ، ثم خصص بعد ذلك السفر الأطوال وحوائج الصدور مع البعد والنوى ، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولكم فيها منافع} في ظهورها وألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها.
{ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} يعني في قلوبكم.
{وعليها} يعني الإبل والبقر {وعلى الفلك} يعني السفن {تحملون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةَ في صُدُورِكُمْ" يقول: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها، وذلك الإبل حاجة في صدروكم لم تكونوا بالغيها لولا هي، إلا بشقّ أنفسكم، كما قال جلّ ثناؤه: "وَتحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ"...
وقوله: "وَعَلَيْها "يعني: وعلى هذه الإبل، وما جانسها من الأنعام المركوبة "وَعَلى الفُلْكِ" يعني: وعلى السفن "تُحْمَلُونَ" يقول: نحملكم على هذه في البرّ، وعلى هذه في البحر. "ويُرِيكُمْ آياتِهِ" يقول: ويريكم حججه، "فأيّ آياتِ اللّهِ تُنْكَرونَ" يقول: فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس. في السماء والأرض تنكرون صحتها، فتكذّبون من أجل فسادها بتوحيد الله، وتدعون من دونه إلها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم ذكر تعالى المنافع ذكراً مجملاً؛ لأنها أكثر من أن تحصى.
{وعلى الفلك تحملون} وكرر الحمل عليها وقد تقدم ذكر ركوبها؛ لأن المعنى مختلف وفي الأمرين تغاير، وذلك أن الركوب هو المتعارف فيما قرب واستعمل في القرى والمواطن، نظير الأكل منها وسائر المنافع بها، ثم خصص بعد ذلك السفر الأطوال وحوائج الصدور مع البعد والنوى، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولتبلغوا} أي مستعلين {عليها} وهي في غاية الذل والطواعية، ونبههم على نقصهم وعظيم نعمته عليهم بقوله: {حاجة} أي جنس الحاجة.
ولما كان في مقام التعظيم لنعمه لأن من سياق الامتنان وإظهار القدرة وحدها وجمع ما تضمر فيه فقال: {في صدوركم} إشارة إلى أن حاجة واحدة ضاقت عنها قلوب الجميع حتى فاضت منها فملأت مساكنها.
ولما كان الحمل يكون مع مطلق الاستعلاء سواء كان على أعلى الشيء أولاً بخلاف الركوب، قال معبراً بأداة الاستعلاء فيها وفي الفلك غير سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، فإنها كانت مغطاة كما حكي فكانوا في بطنها لا على ظهرها: {وعليها} أي في البر {وعلى الفلك} أي في البحر.
{تحملون} أي تحمل لكم أمتعتكم فإن حمل الإنسان نفسه تقدم بالركوب. وأشار بالبناء للمفعول إلى أنه سخر ذلك تسخيراً عظيماً لا يحتاج معه إلى علاج في نفس الحمل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه كتلك آية من آيات الله. ونعمة من نعمه على الإنسان. وسير الفلك على الماء قائم على نواميس وموافقات في تصميم هذا الكون: سمائه وأرضه. يابسه ومائه. وفي طبيعة أشيائه وعناصره. لا بد أن توجد حتى يمكن أن يسير الفلك على الماء. سواء سار بالشراع أم بالبخار أم بالذرة، أم بغيرها من القوى التي أودعها الله هذا الكون، ويسر استخدامها للإنسان.. ومن ثم تذكر في معرض آيات الله، وفي معرض نعمه على السواء.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.