معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

قوله تعالى : { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } قال قتادة : كان حبيب في غار يعبد الله ، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه ، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم : تسألون على هذا أجراً ؟ قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : ( ( يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) ) ، فلما قال ذلك قالوا له : وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم ؟ فقال : { ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } قرأ حمزة و يعقوب : ( ( مالي ) ) بإسكان الياء ، والآخرون بفتحها . قيل : أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم ، لأن الفطرة أثر النعمة ، وكانت عليه أظهر ، وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق . وقيل : إنهم لما قال : اتبعوا المرسلين ، أخذوه فرفعوه إلى الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ؟ فقال : ( ( ومالي لا أعبد الذي فطرني ) ) ، يعني وأي شيء لي إذا لم أعبد الخالق { وإليه ترجعون } تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

فكأن قومه لم يقبلوا نصحه ، بل عادوا لائمين له على اتباع الرسل ، وإخلاص الدين للّه وحده ، فقال : { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : وما المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة ، لأنه الذي فطرني ، وخلقني ، ورزقني ، وإليه مآل جميع الخلق ، فيجازيهم بأعمالهم ، فالذي بيده الخلق والرزق ، والحكم بين العباد ، في الدنيا والآخرة ، هو الذي يستحق أن يعبد ، ويثنى عليه ويمجد ، دون من لا يملك نفعا ولا ضرا ، ولا عطاء ولا منعا ، ولا حياة ولا موتا ولا نشورا ، ولهذا قال :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

{ وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي } أي : وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني وحده لا شريك له ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : يوم المعاد ، فيجازيكم على أعمالكم ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرّحْمََنُ بِضُرّ لاّ تُغْنِ عَنّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ * إِنّيَ إِذاً لّفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * إِنّيَ آمَنتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الرجل المؤمن وَماليَ لا أعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي : أي وأيّ شيء لي لا أعبد الربّ الذي خلقني وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول : وإليه تصيرون أنتم أيها القوم وتردّون جميعا ، وهذا حين أبدى لقومه إيمانه بالله وتوحيده ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب الأحبار ، وعن وهب بن منبه قال : ناداهم ، يعني نادى قومه بخلاف ما هم عليه من عبادة الأصنام ، وأظهر لهم دينه وعبادة ربه ، وأخبرهم أنه لا يملك نفعه ولا ضرّه غيره ، فقال : وَمالِيَ لا أعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ أءتّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ثم عابها ، فقال : إن يُردْنِ الرّحْمَنُ بِضُرّ وشدّة لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئا وَلا يُنْقِذُونَ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

وقوله : { وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } عطف على جملة { اتبعوا المرسلين } قَصد إشعارهم بأنه اتَّبع المرسلين وخلع عبادة الأوثان ، وأبرز الكلام في صورة استفهام إنكاري وبصيغة : ما لي لاَ أفعل ، التي شأنها أن يوردها المتكلم في ردَ على من أنكر عليه فعلاً ، أو ملكه العجب من فعله أو يوردها من يقدر ذلك في قلبه ، ففيه إشعار بأنهم كانوا منكرين عليه الدعوة إلى تصديق الرسل الذين جاؤوا بتوحيد الله فإن ذلك يقتضي أنه سبقهم بما أمرهم به .

و { ما } استفهامية في موضع رفع بالابتداء ، والمجرور من قوله : { لي } خبر عن { ما } الاستفهامية .

وجملة { لا أعبد } حال من الضمير . والمعنى : وما يكون لي في حال لا أعبد الذي فطرني ، أي لا شيء يمنعني من عبادة الذي خلقني ، وهذا الخبر مستعمل في التعريض بهم كأنه يقول : وما لي لا أعبد وما لكم لا تعبدون الذي فطركم بقرينة قوله : { وإليه ترجعون } ، إذ جعل الإِسناد إلى ضميرهم تقوية لمعنى التعرض ، وإنما ابتدأه بإِسناد الخبر إلى نفسه لإِبرازه في معرض المناصحة لنفسه وهو مريد مناصحتهم ليتلَطَّف بهم ويدارئهم فيسمعهم الحق على وجه لا يثير غضبهم ويكون أعون على قبولهم إياه حين يرون أنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه .