ثم قال : { إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا } أي : يحرجكم{[26725]} تبخلوا : { وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ }
قال قتادة : " قد علم الله أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان " . وصدق قتادة فإن المال محبوب ، ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه .
يقول تعالى ذكره : حاضا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه ، والنفقة في سبيله ، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به : قاتلوا أيها المؤمنون أعداء الله وأعداءكم من أهل الكفر ، ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك قتالهم ، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو ، إلا ما كان منها لله من عمل في سبيله ، وطلب رضاه . فأما ما عدا ذلك فإنما هو لعب ولهو ، يضمحلّ فيذهب ويندرس فيمرّ ، أو إثم يبقى على صاحبه عاره وخزيه وَإنْ تُؤْمِنوا وَتَتّقُوا يُؤْتِكُمْ أجُورَكُمْ يقول : وإن تعملوا في هذه الدنيا التي ما كان فيها مما هو لها ، فلعب ولهو ، فتؤمنوا به وتتقوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، وهو الذي يبقى لكم منها ، ولا يبطل بطول اللهو واللعب ، ثم يؤتكم ربكم عليه أجوركم ، فيعوّضكم منه ما هو خير لكم منه يوم فقركم ، وحاجتكم إلى أعمالكم وَلا يَسألْكُمْ أمْوَالَكُمْ يقول : ولا يسألكم ربكم أموالكم ، ولكنه يكلفكم توحيده ، وخلع ما سواه من الأنداد ، وإفراد الألوهة والطاعة له إن يسألكموها : يقول جلّ ثناؤه : إن يسألكم ربكم أموالكم فيحفكم يقول : فيجهدكم بالمسألة ، ويلحّ عليكم بطلبها منكم فيلحف ، تبخلوا : يقول : تبخلوا بها وتمنعوها إياه ، ضنا منكم بها ، ولكنه علم ذلك منكم ، ومن ضيق أنفسكم فلم يسألكموها .
وقوله : ويُخْرِجْ أضْغانَكُمْ يقول : ويخرج جلّ ثناؤه لو سألكم أموالكم بمسألته ذلك منكم أضغانكم قال : قد علم الله أن في مسألته المال خروج الأضغان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا قال : الإحفاء : أن تأخذ كلّ شيء بيديك .
جملة { إنْ يسألكموها } الخ تعليل لنفي سؤاله إياهم أموالهم ، أي لأنه إن سألكم إعطاء جميع أموالكم وقد علم أن فيكم من يسمح بالمال لا تبْخلوا بالبذل وتجعلوا تكليفكم بذلك سبباً لإظهار ضغنكم على الذين لا يعطون فيَكثر الارتداد والنفاق وذلك يخالف مراد الله من تزكية نفوس الداخلين في الإيمان .
وهذا مراعاة لحال كثير يومئذٍ بالمدينة كانوا حديثي عهد بالإسلام وكانوا قد بذلوا من أموالهم للمهاجرين فيسَّر الله عليهم بأن لم يسألهم زيادة على ذلك ، وكان بينهم كثير من أهل النفاق يترصدون الفرص لفتنتهم ، قال تعالى : { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفَضّوا } [ المنافقون : 7 ] . وهذا يشير إليه عطف قوله : { ويُخرج أضغانكم } أي تحدث فيكم أضغان فيكون سؤاله أموالكم سبباً في ظهورها فكأنه أظهرها . وهذه الآية أصل في سد ذريعة الفساد .
والإحفاء : الإكثار وبلوغ النهاية في الفعل ، يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح .
وعن عبد الرحمن بن زيد : الإحفاء أن تأخذ كل شيء بيديك ، وهو تفسير غريب . وعبر به هنا عن الجزم في الطلب وهو الإيجاب ، أي فيوجب عليكم بذل المال ويجعل على منعه عقوبة .
والضغن : العداوة ، وتقدم آنفاً عند قوله { أن لن يخرج الله أضغانهم } [ محمد : 29 ] . والمعنى : يمنعوا المال ويظهروا العصيان والكراهية ، فلطفُ الله بالكثير منهم اقتضى أن لا يسألهم مالاً على وجه الإلزام ثم زال ذلك شيئاً فشيئاً لما تمكن الإيمان من قلوبهم فأوجب الله عليهم الإنفاق في الجهاد .
والضمير المستتر في { ويخرج } عائد إلى اسم الجلالة ، وجوز أن يعود إلى البخل المأخوذ من قوله : { تبخلوا } أي من قبيل { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] . وقرأ الجمهور { يخرج } بياء تحتية في أوله . وقرأه يعقوب بنون في أوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.