تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِن يَسۡـَٔلۡكُمُوهَا فَيُحۡفِكُمۡ تَبۡخَلُواْ وَيُخۡرِجۡ أَضۡغَٰنَكُمۡ} (37)

الآية 37 وقوله تعالى : { ولا يسألكم أموالكم } { إن يسألكموها فيُحفكم تبخلوا ويُخرج أضغانكم } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : أي ليس يسألُكم الإنفاق من أموالكم ، وإنما يسألكم من ماله لتستمتعوا بمال غيره لأنفسكم ، وتجعلوه ذُخرا لأنفسكم غير { إن يسألكموها فيُحفكم تبخلوا ويُخرج أضغانكم } أي لو كان يسألكم من أموالكم لبخلتم ، وتركتم الإنفاق منها .

والثاني : { ولا يسألكم أموالكم } أي ولا يسألكم الإنفاق من جميع أموالكم ، ولكن إنما يسألكم الإنفاق من طائفة من أموالكم { إن يسألكموها فيُحفكم } لو{[19486]} يسألكم جميع أموالكم لحملكم ذلك على البخل وترك الإنفاق . فإن يسألكم الإنفاق من جزء من أموالكم فلماذا بخلتم ، وتركتم الإنفاق ؟

وقوله تعالى : { فيُحفكم تبخلوا } يخرّج على [ وجهين :

أحدهما : ]{[19487]} أن يحملكم على البخل لو سألكم جميع [ أموالكم .

والثاني : ]{[19488]} { فيُحفكم } أي فيجعلكم حفاة ، لا شيء يبقى عندكم . الإحفاء أن يُؤخذ كل شيء عنده ، هو من الاستئصال ، ومنه إحفاء الشوارب .

وقال أبو عوسجة : الإحفاء شدة المسألة ، أي أن يُلحّ عليكم في ما يوجبه في أموالكم . { تبخلوا } يقال : أحفى في المسألة ، وألحف ، وألحّ ، واحد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويُخرج أضغانكم } أي لو أمر بالإنفاق من جميع أموالكم أو من أموالكم حقيقة لظهر ذلك من أضغانكم التي في قلوبكم لأن ذلك الأمر إنما يجري على ألسن الرسل ، فيوجب{[19489]} ذلك إظهار ما في قلوبهم من الضغائن للرسل عليهم السلام .

فإن كان التأويل هذا فهو في المنافقين ، فيكون الأمر بالإنفاق سبب إظهار نفاقهم وضغائنهم وعداوتهم ، فكان كالأمر بالقتال ، كأنه سبب إظهار نفاقهم .

وإن كان في المسلمين فيحتمل أنه قال ذلك تحريصا لهم على الإنفاق والتصدُّق ، كأنه سبب إخراج الضغائن والعداوة لما فيه من التحبّب والتودّد بإيصال ما هو محبوب إليه ، والله أعلم .


[19486]:من م، في الأصل: لم.
[19487]:في الأصل وم: وجوه أحدها.
[19488]:في الأصل وم: الأموال ويحتمل.
[19489]:في الأصل وم: فوجب.