اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن يَسۡـَٔلۡكُمُوهَا فَيُحۡفِكُمۡ تَبۡخَلُواْ وَيُخۡرِجۡ أَضۡغَٰنَكُمۡ} (37)

قوله : «فَيُحْفِكُمْ » عطف على الشرط و«تَبْخَلُوا » جواب الشرط . قال ابن الخطيب : الفاء في قوله : «فَيُحْفِكُمْ » لِلإشارَة إلى أن الإحْفَاءَ يتبع السؤال لشُحِّ الأَنْفُس ، وذلك لأن العطف بالواو قد يكون لمباينين{[51547]} وبالفاء لا يكون إلا للمتعاقبين ، أو متعلقين أحدهما بالآخر فكأنه تعالى يبين أن الإحْفَاء يقع عقيبَ السؤال لأن الإنسان بمجرد السؤال لا يعطي شيئاً{[51548]} . قال المفسرون : فيُحْفِكُمْ يُجْهِدُكم وبلحف عليكم بمسألة جميعها يقال : أَحْفَى فلانٌ فلاناً إذا جهده وَألحَفَ قلبهُ في المسألة{[51549]} .

قوله : { تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } العامة على إسناد «يُخْرِجْ » إلى ضمير فاعل إما الله تعالى أو الرسول أو السّؤَال{[51550]} ؛ لأنه سبب وهو مجزوم عطفاً على جواب الشرط وروي عن أبي عمرو رفعه على الاستئنَافِ{[51551]} وقرأ أيضاً بفتح الياء وضم الراء ورفع «أَْضْغَانُكُمْ » فاعلاً{[51552]} .

وابن عباس في آخرين وتَخْرُجْ بالتاء{[51553]} من فوق وضم الراء أضْغَانُكُمْ فاعل به{[51554]} . ويعقوب وَنخْرِجْ بنون العظمة وكسر الراء أضْغَانَكُمْ نصباً{[51555]} .

وقرئ : وَيُخْرَجْ بالياء على البناء للمفعول أضْغَانُكُمْ رفعاً به{[51556]} . وعيسى كذلك{[51557]} إلا أنه نصبه بإضمار أن عطفاً على مصدر متوهم أي بأن يُكَفَّ بُخْلُكُمْ وإخْرَاجَ أضغَانِكُمْ بُغْضُكُمْ وَعَدَاوَتُكُمْ{[51558]} .

فصل

قال قتادة : علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأَضْغَان{[51559]} يعني ما طلبها ولو طلبها وألحَّ عليكم في الطلب لبخلتم كيف وأنتم تبخلون باليسير فكيف لا تبخلون بالكثير فيخرج أضغانكم بسببه . فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا طلبوا منكم وأنتم لمحبة الأموال وشُحِّ الأنفس تمتنعون فيفضي إلى القتال وتظهر به الضغائن{[51560]} .


[51547]:في الرازي: للمثلين.
[51548]:الرازي 28/74.
[51549]:اللسان لحف، ومعاني الفراء 3/64.
[51550]:في البحر: أو البخل. وانظر البحر المحيط 8/86.
[51551]:لم ترو في المتواتر عن أبي عمرو. وانظر البحر 8/86 فيترتب على ذلك وقوع الجملة حالية.
[51552]:رواها عبد الوارث هي وسابقتها عن أبي عمرو فيما نقله صاحب اللوامح فيما نقله عنه أيضا أبو حيان وهي من الشواذ كسابقتها فلم ترو عنه في المتواتر والمعنى وهو يخرج أضغانكم أو سيخرج رفع بفعله. وانظر مختصر ابن خالويه 141 ونسبها لابن عباس مع آخرين.
[51553]:تاء التأنيث.
[51554]:وهي شاذة أيضا وانظر المرجعين السابقين مع الكشاف 3/539.
[51555]:وهي قراءة ابن عباس أيضا انظر المرجع السابق وهي شاذة.
[51556]:لم أعثر على هذه القراءة بالبناء للمفعول فقد قال أبو حيان "ويعقوب ونخرج بالنون أضغانكم وهي مروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن".
[51557]:كما قلت: أوردها صاحب البحر الذي نقل منه المؤلف بالبناء للفاعل من الرباعي وليس للمفعول.
[51558]:انظر البحر المحيط المرجع السابق.
[51559]:القرطبي 16/257.
[51560]:قاله الإمام الفخر الرازي 28/174.