قوله تعالى : { لو نشاء لجعلناه حطاماً } قال عطاء : تبناً لا قمح فيه ، وقيل : هشيماً لا ينتفع به في مطعم وغذاء ، { فظلتم } وأصله : فظللتم ، حذفت إحدى اللامين تخفيفاً . { تفكهون } تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم ، وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل . وقيل تندمون على نفقاتكم ، وهو قول يمان ، نظيره : { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها }( الكهف- 42 ) ، وقال الحسن : تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة . وقال عكرمة : تتلاومون . وقال ابن كيسان : تحزنون . قال الكسائي : هو تلهف على ما فات ، وهو من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت أي : تنعمت وتفكهت أي : حزنت .
فقال : { لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ } أي : الزرع المحروث وما فيه من الثمار { حُطَامًا } أي : فتاتا متحطما ، لا نفع فيه ولا رزق ، { فَظَلْتُمْ } أي : فصرتم بسبب جعله حطاما ، بعد أن تعبتم فيه وأنفقتم النفقات الكثيرة { تَفَكَّهُونَ } أي : تندمون وتحسرون على ما أصابكم ، ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم ، فتقولون :
القول في تأويل قوله تعالى : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ * إِنّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حُطاما ، يعني هشيما لا يُنتفع به في مطعم وغذاء .
وقوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون .
وقال آخرون : معنى ذلك : فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جلّ ثناؤه ، حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ يقول : تلاومون .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب البكري ، عن عكرِمة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تلاومون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجب لكم عقوبته ، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن فَظَلْتُمْ تَتَفكّهُونَ قال : تندمون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال تندمون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تعجبون . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ إنّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُمونَ وقرأ قول الله : وَإَذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فَكِهِين قال : هؤلاء ناعمين ، وقرأ قول الله جل ثناؤه : فأخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ . . . إلى قوله : كانُوا فِيها فاكِهِينَ .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى فَظَلْتُم : فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث إذا حدّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه ، ويلهى به ، فكذلك ذلك . وكأن معنى الكلام : فأقمتم تتعجبون يُعَجّب بعضكم بعضا مما نزل بكم .
والحطام : اليابس المتفتت من النبات الصائر إلى ذهاب ، وبه شبه حطام الدنيا . وقيل المعنى : نبتاً لا قمح فيه و : { تفكهون } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة معناه : تعجبون ، وقال عكرمة : تلامون . وقال الحسن معناه : تندمون وقال ابن زيد : تتفجهون ، وهذا كله تفسير لا يخص اللفظة ، والذي يخص اللفظ ، هو : تطرحون الفاكهة عن أنفسكم وهي المسرة والجدل ، ورجل فكه إذا كان منبسط النفس غير مكترث بالشيء ، وتفكه من أخوات تحرج وتحوب .
وقرأ الجمهور : «فظَلتم » بفتح الظاء ، وروى سفيان الثوري في قراءة عبد الله كسر الظاء . قال أبو حاتم : طرحت عليها حركة اللام المجزومة ، وذلك رديء في القياس ، وهي قراءة أبو حيوة . وروى أحمد بن موسى : «فظلَلتم » بلامين ، الأولى مفتوحة عن الجحدري ، ورويت عن ابن مسعود ، بكسر اللام الأولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.