قوله : { لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } .
أتى هنا بجواب «لو » مقروناً ب «اللام » ، وهو الأكثر ؛ لأنه مثبت ، وحذف في قوله : { جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } ؛ لأن المنّة بالمأكول أعظم منها بالمشروب . قاله الزمخشري{[54988]} .
وهذا منقوض{[54989]} بقوله : { وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا } [ يس : 66 ] و{ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ } [ يس : 67 ] ، وذلك أن أمر الطَّمس أهون من أمر المسخ ، وأدخل فيهما «اللام » .
وأجاب الزمخشري{[54990]} بجواب آخر فقال : { ولو نشاء لجعلناه حطاماً } كان أقرب الذكر ، فاستغنى باللام فيه عن ذكرها ثانياً .
قال ابن الخطيب{[54991]} : وهذا ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : { وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] مع قوله : { وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ } [ يس : 67 ] أقرب من قوله : { لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } ، و{ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } اللَّهُم إلاَّ أن تقول هناك : أحدهما قريب من الآخر ذكراً لا معنى ؛ لأن الطَّمْس لا يلزمه المَسْخ ولا بالعكس ، وأما المأكول يكون معه المشرُوب في الدهر فالأمران متقاربان لفظاً ومعنى .
قال الماوردي{[54992]} : هذه الآية تتضمن أمرين :
أحدهما : الامتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم .
الثاني : البرهان الموجب للاعتبار ؛ لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره ، وانتقاله إلى استواء حاله من العفنِ والتَّتريب حتى صار زرعاً أخضر ، ثم قوي مشتدًّا أضعاف ما كان عليه ، فهو بإعادة من أمات أحق عليه وأقدر ، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السَّليمة ، ثم قال : { لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } أي : متكسِّراً ، يعني : الزَّرع والحُطَام الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء ، فنبَّه بذلك على أمرين :
أحدهما : ما أولاهم به من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاماً ليشكروه .
الثاني : ليعتبروا بذلك في أنفسهم كما أنه يجعل الزَّرع حُطاماً إذا شاء ، وكذلك يهلكهم إذا شاء ليتَّعظوا فينزجروا{[54993]} .
قوله : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } .
قرأ العامة : بفتح الظَّاء ، بلام واحدة وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في «طه »{[54994]} .
وأبو حيوة وأبو بكر{[54995]} في رواية : بكسر الظاء .
وعبد الله الجحدري{[54996]} : «فظَلِلتُمْ » على الأصل بلامين ، أولاهما مكسورة .
وروي عن الجحدري : فتحها ، وهي لغة أيضاً .
والعامة : «تَفَكَّهُونَ » بالهاء .
ومعناه : تَنْدَمُون ، وحقيقته : تلقون الفكاهة من أنفسكم ، ( ولا تلقى ) {[54997]} الفكاهة إلاَّ من الحزن ، فهو من باب «تحَرَّج وتأثّم وتحوب »{[54998]} .
وقيل : «تفكّهون » . تتعجبون بذهابها ما نزل بكم في زرعكم . قاله عطاء والكلبي ومقاتل .
وقيل : تتندمون مما حلّ بكم . قاله الحسن وقتادة وغيرهما .
وقيل : تتفجَّعون ، وهذا تفسير باللازم .
وقرأ أبو حزام{[54999]} العكلي : «تَفَكَّنُونَ » بالنون ، أي : تندَّمون .
قال ابن خالويه : «تَفَكَّه » تعجَّب ، و«تَفَكَّن » تندَّم .
وفي الحديث : «مثلُ العالم كمثل الحمَّة ، يأتيها البُعدَاءُ ويترُكُهَا القُربَاءُ ، فَبَيْنَا هُم إذ غَارَ ماؤهَا فانتفع به قومٌ ، وبَقِي قومٌ يتفكَّنُون » ، أي : يتندَّمُون{[55000]} .
قال الفرَّاء{[55001]} : والنون ، لغة عكل .
وفي الصحاح{[55002]} : «التَّفَكُّن » التندُّم على ما فات .
وقيل : التفكُّه : التكلُّم فيما لا يعنيك .
ومنه قيل للمزاح : فُكاهة بالضَّم .
فأما الفَكَاهة - بالفتح - فمصدر «فَكِهَ الرَّجل » بالكسر ، فهو فَكِهٌ إذا كان طيّب النفس مزَّاحاً{[55003]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.