التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ} (65)

جملة { لو نشاء لجعلناه حطاماً } ، موقعها كموقع جملة : { نحن قدّرنا بينكم الموت } [ الواقعة : 60 ] في أنها استدلال بإفنائه ما أوجده على انفراده بالتصرف إيجاداً وإعداماً ، تكلمة لدليل إمكان البعث .

واللام في قوله : { لجعلناه } مفيدة للتأكيد . ويكثر اقتران جواب ( لو ) بهذه اللام إذا كان ماضياً مثبتاً كما يكثر تجرده عنها كما سيجيء في الآية الموالية لهذه .

والحُطام : الشيء الذي حَطمه حاطم ، أي كَسره ودقّه فهو بمعنى المحطوم ، كما تدل عليه زنة فُعال مثل الفُتات والجُذاد والدُقاق ، وكذلك المقترن منه بهاء التأنيث كالقُصاصة والقُلاَمة والكُناسة والقُمامة .

والمعنى : لو نشاء لجعلنا ما ينبت بعد خروجه من الأرض حُطاماً بأن نسلط عليه ما يحطمه من بَرَد أو ريح أو حشرات قبل أن تنتفعوا به ، فالمراد جعله حطاماً قبل الانتفاع به . وأما أن يُؤول إلى الكَون حطاماً فذلك معلوم فلا يكون مشروطاً بحرف ( لو ) الامتناعية .

وقوله : { فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون } تفريع على جملة { لجعلناه حطاماً } أي يتفرع على جعله حطاماً أن تصيروا تقولون : إنا لمغرمون بل نحن محرومون ، ففعل ( ظَلّتُم ) هنا بمعنى : صرتم ، وعلى هذا حَمَله جميع المفسرين .

وأعضل وَقْع فعل { تفكهون } ، فعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : تفكهون تعجبون ، وعن عكرمة : تتلاومون ، وعن الحسن وقتادة : تندمون ، وقال ابن كيسان : تحزنون ، وقال الكسائي : هو تلهف على ما فات ، وهو أي فعل { تفكهون } من الأضداد تقول العرب : تفكهت ، أي تنعمت ، وتفكهتُ ، أي حزِنتُ اهـ .

ذلك أن فعل { تفكهون } من مادة فَكِه والمشهور أن هذه المادة تدل على المسرة والفرح ولكن السياق سياق ضد المسرة ، وبيانه بقوله : { إنا لمغرمون بل نحن محرومون } يؤيد ذلك ، فالفُكاهة : المسرة والانبساط ، وادعى الكسائي أنها من أسماء الأضداد واعتمده في « القاموس » إذ قال : وتفكه ، أكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضده . قال ابن عطية : وهذا كله أي ما روي عن ابن عباس وغيره في تفسير { فظلتم تفكهون } لا يخص اللفظة ( أي هو تفسير بحاصل المعنى دون معاني الألفاظ ) والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفاكهة ( كذا ولعل صوابه الفكاهة ) عن أنفسكم وهي المسرة والجذل ، ورجل فَكِه ، إذا كان منبسط النفس غير مكترث بشيء اه . يعني أن صيغة التفعُّل فيه مطاوعة فعَّل الذي تضعيفه للإزالة مثل قَشَّر العود وقَرَّد البعير وأثبت صاحب « القاموس » هذا القول ونسبه إلى ابن عطية .