{ والناشطات نشطاً } هي الملائكة تنشط نفس المؤمن ، أي تحل حلاً رفيقاً فتقبضها ، كما ينشط العقال من يد البعير ، أي يحل برفق ، حكى الفراء هذا القول ، ثم قال : والذي سمعت من العرب أن يقولوا : أنشطت العقال ، إذا حللته ، ونشطته : إذا عقدته بأنشوطة . وفي الحديث : " كأنما أنشط من عقال " . وعن ابن عباس : هي نفس المؤمن تنشط للخروج عند الموت ، لما ترمى من الكرامة لأنه تعرض عليه الجنة قبل أن يموت . وقال علي بن أبي طالب : هي الملائكة تنشط أرواح الكفار مما بين الجلد والأظافر حتى تخرجها من أفواههم بالكرب والغم ، والنشط : الجذب والنزع ، يقال : نشطت الدلو نشطاً إذا نزعتها قال الخليل : النشط والإنشاط مدك الشيء إلى نفسك ، حتى ينحل . وقال مجاهد : هو الموت ينشط النفوس . وقال السدي : هي النفس تنشط من القدمين أي تجذب . وقال قتادة : هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، أي تذهب ، يقال : نشط من بلد إلى بلد ، إذا خرج في سرعة ، ويقال : حمار ناشط ، ينشط من بلد إلى بلد ، وقال عطاء وعكرمة : هي الإزهاق .
قال ابن مسعود وابن عباس ، ومسروق ، وسعيد بن جبير ، وأبو صالح ، وأبو الضحى ، والسُّدي : { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } الملائكة ، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم ، فمنهم من تأخذ روحه بعُنف فَتُغرق في نزعها ، و[ منهم ]{[29680]} من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حَلَّته من نشاط ، وهو قوله : { وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا } قاله ابن عباس .
وعن ابن عباس : { والنازعات } هي أنفس الكفار ، تُنزع ثم تُنشَط ، ثم تغرق في النار . رواه ابن أبي حاتم .
وقال مجاهد : { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } الموت . وقال الحسن ، وقتادة : { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا } هي النجوم .
وقال عَطَاءُ بنُ أبي رَباح في قوله : { والنازعات } و { الناشطات } هي القسيّ في القتال . والصحيح الأول ، وعليه الأكثرون .
وقوله : والنّاشِطاتِ نَشْطا اختلف أهل التأويل أيضا فيهنّ ، وما هنّ ، وما الذي يَنْشِط ، فقال بعضهم : هم الملائكة ، تَنْشِط نفس المؤمن فتقبضها ، كما يُنْشَط العِقال من البعير إذا حُلّ عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : الملائكة .
وكان الفرّاء يقول : الذي سمعت من العرب أن يقولوا : أنْشَطْت ، وكأنما أُنْشط من عِقال ، ورَبْطُها : نشطها ، والرابط : الناشِط قال : وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نَشَطته تَنْشِطهُ ، وأنت ناشِط ، وإذا حللته فقد أنشطته .
وقال آخرون : النّاشِطاتِ نَشْطا هو الموت يَنْشِط نفسَ الإنسان . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : الموت .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يوسف بن يعقوب ، قال : حدثنا شعبة عن السديّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : حين تَنْشِط نفسَه .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السديّ والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : نَشْطُها : حين تُنْشَط من القدمين .
وقال آخرون : هي النجوم تَنْشِط من أفق إلى أفق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : النجوم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : هنّ النجوم .
وقال آخرون : هي الأوهاق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن واصل بن السائب ، عن عطاء والنّاشِطاتِ نَشْطا قال : الأوهاق .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالناشطات نَشْطا ، وهي التي تَنْشُط من موضع إلى موضع ، فتذهب إليه ، ولم يخصص الله بذلك شيئا دون شيء ، بل عَمّ القَسَم بجميع الناشطات ، والملائكة تَنْشُط من موضع إلى موضع ، وكذلك الموت ، وكذلك النجوم والأوهاق وبقر الوحش أيضا تَنْشُط ، كما قال الطّرِمّاح :
وَهَلْ بِحَلِيفِ الخَيْلِ مِمّنْ عَهِدْتُهُ *** بِهِ غَيْرُ أُحْدانَ النّوَاشِطِ رُوْعُ
يعني بالنواشط : بقر الوحش ، لأنها تنشَط من بلدة إلى بلدة ، كما قال رُؤْبة بن العجّاج :
*** تَنَشّطَتْه كُلّ مِغْلاةِ الّوَهَقْ ***
والهموم تَنْشُط صاحبها ، كما قال هِمْيان بن قُحافة :
أمْستْ هُمُومي تَنْشِطُ المَناشِطَا *** الشّامَ بي طَوْرا وَطَوْرا وَاسِطَا
فكلّ ناشط فداخل فيما أقسم به ، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها ، بأن المعنيّ بالقسم من ذلك ، بعض دون بعض .
و اختلف المتأولون في { الناشطات } ، فقال ابن عباس ومجاهد : هي الملائكة لأنها تنشط النفوس عند الموت ، أي تحلها كحل العقال وتنشط بأمر الله أي حيث كان ، وقال مجاهد : { النشاطات } : المنايا ، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والأخفش والحسن : { الناشطات } النجوم لأنها تنشط من أفق إلى أفق ، أي تذهب وتسير بسرعة ، ومن ذلك قيل البقر الوحش النواشط لأنهن يذهبن بسرعة من موضع إلى آخر ، وقال عطاء : { الناشطات } في الآية : البقرة الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر ، ومن هذا المعنى قول الشاعر [ همان بن قحافة ] : [ الرجز ]
أرى همومي تنشط المناشطا*** الشام بي طوراً وطوراً واسطا{[11596]}
وكأن هذه اللفظة في هذا التأويل مأخوذة من النشاط ، وقال عطاء أيضاً وعكرمة : { الناشطات } الأوهاق{[11597]} . ويقال : نشطت البعير والإنسان إذا ربطته ونشطته : إذا حللته ، وحكاه الفراء وخولف فيه ومنه الحديث «كأنما أنشط من عقال »{[11598]} ، وقال ابن عباس أيضاً : { الناشطات } النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.