معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

قوله :{ يا أيها الرسل } قال الحسن و مجاهد وقتادة والسدي والكلبي وجماعة : أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة . وقال بعضهم : أراد به عيسى . وقيل : أراد به جميع الرسل عليهم السلام { كلوا من الطيبات } أي الحلالات ، { واعملوا صالحاً } الصلاح هو الاستقامة على ما توجبه الشريعة . { إني بما تعملون عليم* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

{ 51 - 56 } { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ }

هذا أمر منه تعالى لرسله بأكل الطيبات ، التي هي الرزق الطيب الحلال ، وشكر الله ، بالعمل الصالح ، الذي به يصلح القلب والبدن ، والدنيا والآخرة . ويخبرهم أنه بما يعملون عليم ، فكل عمل عملوه ، وكل سعي اكتسبوه ، فإن الله يعلمه ، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء وأفضله ، فدل هذا على أن الرسل كلهم ، متفقون على إباحة الطيبات من المآكل ، وتحريم الخبائث منها ، وأنهم متفقون على كل عمل صالح وإن تنوعت بعض أجناس المأمورات ، واختلفت بها الشرائع ، فإنها كلها عمل صالح ، ولكن تتفاوت بتفاوت الأزمنة .

ولهذا ، الأعمال الصالحة ، التي هي صلاح في جميع الأزمنة ، قد اتفقت عليها الأنبياء والشرائع ، كالأمر بتوحيد الله ، وإخلاص الدين له ، ومحبته ، وخوفه ، ورجائه ، والبر ، والصدق ، والوفاء بالعهد ، وصلة الأرحام ، وبر الوالدين ، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين واليتامى ، والحنو والإحسان إلى الخلق ، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة ، ولهذا كان أهل العلم ، والكتب السابقة ، والعقل ، حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، يستدلون على نبوته بأجناس ما يأمر به ، وينهى عنه ، كما جرى لهرقل وغيره ، فإنه إذا أمر بما أمر به الأنبياء ، الذين من قبله ، ونهى عما نهوا عنه ، دل على أنه من جنسهم ، بخلاف الكذاب ، فلا بد أن يأمر بالشر ، وينهى عن الخير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

يأمر تعالى عباده المرسلين ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، بالأكل من الحلال ، والقيام بالصالح من الأعمال ، فدل هذا على أن الحلال عَون على العمل الصالح ، فقام الأنبياء ، عليهم السلام ، بهذا أتم القيام . وجمعوا بين كل خير ، قولا وعملا ودلالة ونصحًا ، فجزاهم الله عن العباد خيرًا .

قال الحسن البصري في قوله : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ } قال : أما والله ما أُمِرُوا بأصفركم ولا أحمركم ، ولا حلوكم ولا حامضكم ، ولكن قال : انتهوا إلى الحلال منه .

وقال سعيد بن جبير ، والضحاك : { كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ } يعني : الحلال .

وقال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن أبي مَيْسَرَةَ بن شُرَحْبِيل : كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه .

وفي الصحيح : " ما من نبي إلا رعى الغنم " . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " {[20557]} .

وفي الصحيح : أن داود ، عليه السلام ، كان يأكل من كسب يده{[20558]} .

وفي الصحيحين : " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود ، وأحب القيام إلى الله قيام داود ، كان{[20559]} ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه وينام سُدسَه ، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا ، ولا يَفر إذا لاقى " . {[20560]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن ضَمْرَة بن حبيب ، أن أم عبد الله ، أخت{[20561]} شداد بن{[20562]} أوس بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم ، وذلك في أول النهار وشدة الحر ، فرد إليها رسولها : أنَّى كانت لك الشاة ؟ فقالت : اشتريتها من مالي ، فشرب منه ، فلما كان الغد أتته أم عبد الله أخت{[20563]} شداد فقالت : يا رسول الله{[20564]} ، بعثتُ إليك بلبن مَرثيةً{[20565]} لك من طول النهار وشدة الحر ، فرددت إليَّ الرسول فيه ؟ . فقال لها : " بذلك أمرت الرسل ، ألا تأكل إلا طيبا ، ولا تعمل إلا صالحا " {[20566]} .

وقد ثبت في صحيح مسلم ، وجامع الترمذي ، ومسند الإمام أحمد - واللفظ له - من حديث فُضَيْل بن مرزوق ، عن عَدِيّ بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ، إنَّ الله طَيِّبٌ لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } . وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ البقرة : 172 ] . ثم ذكر الرجل يطيل السفر أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذِّي بالحرام ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، فأنَّى يستجاب لذلك " {[20567]} .

وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث فُضيل بن مرزوق .


[20557]:- في ف : "وكان".
[20558]:- صحيح البخاري برقم (2262) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[20559]:- صحيح البخاري برقم (2073) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[20560]:- صحيح البخاري برقم (1131) وصحيح مسلم برقم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[20561]:- في أ : "بنت".
[20562]:- في ف : "بنت".
[20563]:- في ف ، أ : "بنت".
[20564]:- في ف : "يا رسول الله صلى الله عليك" ، وفي أ : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[20565]:- في ف : "مرئته".
[20566]:- ورواه الحاكم في المستدرك (4/125) من طريق المعافى بن عمران عن أبي بكر بن أبي مريم به نحوه ، وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي : "قلت : وابن أبي مريم واه".
[20567]:- صحيح مسلم برقم (1015) وسنن الترمذي برقم (2989) والمسند (6/159).