قوله تعالى : { فاتخذت } ، فضربت ، { من دونهم حجاباً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ستراً . وقيل : جلست وراء الجدار . وقال مقاتل : وراء الجبل . وقال عكرمة : إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها ، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت ، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد ، وضيء الوجه ، جعد الشعر ، سوي الخلق ، فذلك قوله : { فأرسلنا إليها روحنا } ، يعني : جبريل عليه السلام ، { فتمثل لها بشراً سوياً } ، وقيل : المراد من الروح عيسى عليه السلام ، جاء في صورة بشر فحملت به . والأول أصح .
{ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ْ } أي : سترا ومانعا ، وهذا التباعد منها ، واتخاذ الحجاب ، لتعتزل ، وتنفرد بعبادة ربها ، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى ، وذلك امتثال منها لقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ْ } وقوله : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ْ } وهو : جبريل عليه السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ْ } أي : كاملا من الرجال ، في صورة جميلة ، وهيئة حسنة ، لا عيب فيه ولا نقص ، لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه ، فلما رأته في هذه الحال ، وهي معتزلة عن أهلها ، منفردة عن الناس ، قد اتخذت الحجاب عن أعز الناس عليها وهم أهلها ، خافت أن يكون رجلا قد تعرض لها بسوء ، وطمع فيها ، فاعتصمت بربها ، واستعاذت منه فقالت له : { إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ْ } .
وقال بعض الناس «الحجاب » هي اتخذته لتستتر به عن الناس لعبادتها . فقال السدي كان من جدرات ، وقيل من ثياب ، وقال بعض المفسرين اتخذت المكان بشرقي المحراب ، و «الروح » جبريل ، وقيل عيسى ، حكى الزجاج القولين . فمن قال إنه جبريل قدر الكلام فتمثل هو لها . ومن قال إنه عيسى قدر الكلام فتمثل الملك لها ، قال النقاش ومن قرأ «روحنّا » مشددة النون جعله اسم ملك من الملائكة ولم أر هذه القراءة لغيره . واختلف الناس في نبوة مريم فقيل كانت نبية بهذا الإرسال والمحاورة للملك ، وقيل لم تكن نبية وإنما كملها مثال بشر ورؤيتها لملك ، كما رئي جبريل في صفة دحية وفي سؤاله عن الإسلام والأول أظهر .
اتخاذ الحجاب : جعل شيء يَحجب عن الناس . قيل : إنها احتجبت لتغتسل وقيل لتمتشط .
والروح : الملك ، لأن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلاَّ على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشراً .
والتمثل : تكلف المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .
و { بَشَرَاً } حال من ضمير ( تمثل ) ، وهو حال على معنى التشبيه البليغ .
والبشر : الإنسان . قال تعالى : { إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] ، أي خالق آدم عليه السلام .
والسويُّ : المُسَوّى ، أي التام الخلق . وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.