البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

والحجاب الذي اتخذته لتستتر به عن الناس لعبادة ربها .

قال السدّي : كان من جدران .

وقيل : من ثياب .

وعن ابن عباس : جعلت الجبل بينها وبين الناس { حجاباً } وظاهر الإرسال من الله إليها ومحاورة الملَك تدل على أنها نبية .

وقيل : لم تنبأ وإنما كلمها مثال بشر ورؤيتها للملك كما رئي جبريل عليه السلام في صفة دحية .

وفي سؤاله عن الإيمان والإسلام .

والظاهر أن الروح جبريل لأن الدين يحيا به ويوحيه أو سماه روحه على المجاز محبة له وتقريباً كما تقول لحبيبك : أنت روحي .

وقيل عيسى كما قال وروح منه ، وعلى هذا يكون قوله { فتمثل } أي الملك .

وقرأ أبو حيوة وسهل { روحنا } بفتح الراء لأنه سبب لما فيه روح العباد وإصابة الروح عند الله الذي هو عدة المقرّبين في قوله { فأما إن كان من المقرّبين فروح وريحان } أو لأنه من المقربين وهم الموعودون بالروح أي مقربنا وذا روحنا .

وذكر النقاش أنه قرئ { روحنا } بتشديد النون اسم ملك من الملائكة وانتصب { بشراً سوّياً } على الحال لقوله وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً .

قيل : وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه ، ودل على عفافها وورعها أنها تعوذت به من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن وكان تمثيله على تلك الصفة ابتلاءً لها وسبراً لعفتها .

وقيل : كانت في منزل زوج أختها زكريا ولها محراب على حدة تسكنه ، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها فتمنت أن تجد خلوة في الجبل لتفلي رأسها فانفرج السقف لها فخرجت فجلست في المشرقة وراء الجبل فأتاها الملَك .

وقيل : قام بين يديها في صورة ترب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس ،