{ فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً } وكونه شرقياً كان أمراً اتفاقياً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه وما صرفهم عنه إلا قيل ربك { انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } [ مريم : 16 ] فلذلك صلوا قبل مطلع الشمس ، وفي رواية إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً ، وقد قدمنا عن بعض أنهم كانوا في زمن عيسى عليه السلام يستقبلون بيت المقدس وإنهم ما استقبلوا الشرق إلا بعد رفعه عليه السلام زاعمين أنه ظهر لبعض كبارهم فأمره بذلك ، وجوز أن يكون اختاره الله تعالى لها مطلع الأنوار . وقد علم سبحانه أنه حان ظهور النور العيسوي منها فناسب أن يكون ظهور النور المعنوي في جهة ظهور النور الحسي وهو كما ترى ، وروى أنه كان موضعها في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها وإذا طهرت عادت إلى المسجد فبينما هي في مغتسلها أتاها الملك عليه السلام في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر ، وذلك قوله عز وجل : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } أي جبرائيل عليه السلام كما قاله الأكثر ، وعبر عنه بذلك لأن الدين يحيا به وبوحيه فهو مجاز . والإضافة للتشريف كبيت الله تعالى .
وجوز أن يكون ذلك كما تقول لحبيبك أنت روحي محبة له وتقريباً فهو مجاز أيضاً إلا أنه مخالف للأول في الوجه والتشريف عليه في جعله روحاً . وقال أبو مسلم : المراد من الروح عيسى عليه السلام لقوله تعالى : { وَرُوحٌ مّنْهُ } [ النساء : 171 ] وضمير تمثل الآتي للملك وليس بشيء . وقرأ أبو حيوة . وسهل { رُوحَنَا } بفتح الراء ، والمراد به جبريل عليه السلام أيضاً لأنه سبب لما فيه روح العباد وإصابة الروح عند الله تعالى الذي هو عدة المقربين في قوله تعالى { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } [ الواقعة : 88 ، 89 ] أو لأنه عليه السلام من المقربين وهم الموعودون بالروح أي مقربا أو ذا روحنا .
وذكر النقاش أنه قرئ { رُوحَنَا } بتشديد النون اسم ملك من الملائكة عليهم السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا } مشتق من المثال وأصله أن يتكلف أن يكون مثال الشيء ، والمراد فتصور لها { بَشَراً سَوِيّاً } سوى الخلق كامل البنية لم يفقد من حسان نعوت الآدمية شيئاً ، وقيل تمثل في صورة قريب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس وذلك لتستأنس بكلامه وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته إذ لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع مفاوضته ، وما قيل من أن ذلك لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها فمع ما فيه من الهجنة التي ينبغي أن تنزه مريم عنها يكذبه قوله تعالى : { قَالَتْ إِنّي أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.