النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

قوله تعالى : { فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : حجاباً من الجدران ، قاله السدي .

الثاني : حجاباً من الشمس جعله الله ساتراً ، قاله ابن عباس .

الثالث : حجاباً من الناس ، وهو محتمل ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنها اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة .

الثاني : أنها اتخذت مكاناً تعتزل فيه أيام حيضها .

{ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } الآية . فيه قولان :

أحدهما : يعني الروح التي خلق منها المسيح حتى تمثل لها بشراً سوياً .

الثاني : أنه جبريل ، قاله الحسن وقتادة ، والسدي ، وابن جريج ، وابن منبه{[1859]} .

وفي تسميته له روحاً وجهان :

أحدهما : لأنه روحاني لا يشوبه شيء غير الروح ، وأضافه إليه بهذه الصفة تشريفاً له .

الثاني : لأنه تحيا به الأرواح .

واختلفوا في سبب حملها على قولين :

أحدهما : أن جبريل نفخ في جيب درعها وكُمِّهَا فَحَمَلَتْ ، قاله ابن جريج ، منه قول أميه بن أبي الصلت :

فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها *** فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم

الثاني : أنه ما كان إلا أن حملت فولدته ، قاله ابن عباس .

واختلفوا في مدة حملها على أربعة أقاويل : أحدها : تسعة أشهر ، قاله الكلبي . الثاني : ستة أشهر . حكى لي ذلك أبو القاسم{[1860]} الصيمري .

الثالث : يوماً واحداً .

الرابع : ثمانية أشهر ، وكان هذا آية عيسى فإنه لم يعش مولوداً لثمانية أشهر سواه .


[1859]:وهذا القول هو الأصح.
[1860]:أبو القاسم الصيمري هو شيخ المؤلف بالبصرة، واسمه عبد الواحد بن الحسين توف بعد سنة 386.