غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

16

{ فاتخذت من دونهم حجاباً } لا بد لهذا الاحتجاب من غرض صحيح فمن المفسرين من قال : إنها لما رأت الحيض تباعدت عن مكانها المعتاد لكي تنتظر الطهر فتغتسل وتعود ، فلما طهرت جاء جبريل عليه السلام ، وقيل : طلبت الخلوة لأجل العبادة . وقيل : في مشربة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط أو شيء يسترها . وقيل : كانت في منزل زوج أختها زكريا ولها محراب على حدة تسكنه ، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها بابها فتمنت أن تجد خلوة في الجبل لتفلي رأسها ، فانفجر السقف لها فخرجت وجلست في المشرفة وراء الجبل فأتاها الملك وذلك قوله : { فأرسلنا إليها روحنا } يعني جبرائيل لأن الدين يحيا به وبوحيه ، والإضافة للتشريف والتسمية مجاز كما تقول لمن تحبه إنه روحي { فتمثل لها } حال كونه { بشراً سوياً } تام الخلق أو حسن الصورة . وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ، وتدرع الروحاني كجبريل مثلاُ تارة بالهيكل العظيم وأخرى بالصغير غير مستبعد ، والذين اعتقدوا أن جبرائيل جسماني جوزوا أن يكون له أجزاء أصلية قليلة وأجزاء فاضلة ، فبتلك الأجزاء الأصلية يكون متمكناً من التشبه بصورة الإنسان ، ولندرة أمثال هذه الأمور لا يلزم منها قدح في العلوم العادية المستندة إلى الإحساس . فلا يلزم الشك في أن زيداً الذي نشاهده الآن هو الذي شاهدناه بالأمس .

/خ40