فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

{ فاتخذت } أي ضربت { من دونهم } أي من دون أهلها { حجابا } أي حاجزا وسترا يسترها عنهم لئلا يروها حال العبادة أو حال التطهر من الحيض ، والحجاب الستر والحاجز { فأرسلنا إليها روحنا } هو جبريل عليه السلام ليبشرها بالغلام ولينفخ فيها فتحمل به .

وقد اختلف الناس في نبوة مريم ، فقيل إنها نبية لمجرد هذا الإرسال إليها ومخاطبتها للملك ، وقيل لم تكن نبية لأنه إنما كلمها الملك وهو على مثال البشر ، والمتفق عليه أن المنفي وحي الرسالة لا مطلق الوحي ، والوحي هنا إنما هو بشارة الولد لا بالرسالة ، وقد تقدم الكلام على هذا في آل عمران ، وقيل هو روح عيسى لأن الله سبحانه خلق الأرواح قبل الأجساد . والأول أولى لقوله { فتمثل } أي جبريل عليه السلام { لها } بعد لبسها ثيابها { بشرا سويا } تاما مستوي الخلق لم يفقد من نعوت بني آدم شيئا .

وقال البيضاوي :ولعله أي التمثل ليهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها ، إ ه قال في الخميس في أحوال أنفس نفيس : فيه نظر ، انتهى ، ولم يبين أحد هذا النظر الصحيح لا هو ولا غيره من المفسرين فيما تصفحت إلا أبا السعود حيث قال : هو مع مخالفته لمقام بيان آثار القدرة الخارقة للعادة يكذبه قوله تعالى :