قوله تعالى : { وله الحمد في السموات والأرض } قال ابن عباس : يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له ، { وعشياً } أي : صلوا لله عشياً ، يعني صلاة العصر ، { وحين تظهرون } تدخلون في الظهيرة ، وهو الظهر . قال نافع بن الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال : نعم ، وقرأ هاتين الآيتين ، وقال : جمعت الآية صلاة الخمس ومواقيتها .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال : سبحان الله وبحمده في أول النهار وآخره مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، حدثنا السري بن خزيمة البيوردي ، حدثنا المعلى بن أسعد ، أنبأنا عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا قتيبة بن سعيد ، أنبأنا محمد بن فضيل ، أنبأنا عمارة بن القعقاع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا علي بن المديني ، أنبأنا ابن عيينة ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال : سمعت كريباً أبا رشدين يحدث عن ابن عباس ، عن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها ، وكان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية ، وكره أن يقال خرج من عند برة ، فخرج وهي في مسجدها ورجع بعد ما تعالى النهار ، فقال : ما زلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد . قالت : نعم ، فقال : لقد قلت بعدك أربع كلمات ، ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلت من اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته " .
فهذه الأوقات الخمسة أوقات الصلوات الخمس أمر اللّه عباده بالتسبيح فيها والحمد ، ويدخل في ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس ، والمستحب كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وما يقترن بها من النوافل ، لأن هذه الأوقات التي اختارها اللّه [ لأوقات المفروضات هي ] أفضل من غيرها [ فالتسبيح والتحميد فيها والعبادة فيها أفضل من غيرها ]{[644]} بل العبادة وإن لم تشتمل على قول " سبحان اللّه " فإن الإخلاص فيها تنزيه للّه بالفعل أن يكون له شريك في العبادة أو أن يستحق أحد من الخلق ما يستحقه من الإخلاص والإنابة .
( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ) . .
إن ذلك التسبيح وهذا الحمد يجيئان تعقيبا على مشهد القيامة في الفقرة السابقة ، وفوز المؤمنين بروضة فيها يحبرون ، وانتهاء الكافرين المكذبين إلى شهود العذاب . ومقدمة لهذه الجولة في ملكوت السماوات والأرض ، وأغوار النفس وعجائب الخلق . فيتسقان مع التعقيب على المشهد وعلى التقديم للجولة كل الاتساق .
والنص يربط التسبيح والحمد بالأوقات : الإمساء والإصباح والعشي والأظهار ؛ كما يربطهما بآفاق السماوات والأرض . فيتقصى بهما الزمان والمكان ؛ ويربط القلب البشري بالله في كل بقعة وفي كل أوان ؛ ويشعر بتلك الرابطة في الخالق مع هيكل الكون ودورة الأفلاك وظواهر الليل والنهار والعشي والأظهار . . ومن ثم يظل هذا القلب مفتوحا يقظا حساسا ، وكل ما حوله من مشاهد وظواهر ، وكل ما يختلف عليه من آونة وأحوال ، يذكره بتسبيح الله وحمده ؛ ويصله بخالقه وخالق المشاهد والظواهر والآونة والأحوال .
وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } اعتراض بين الكلامين من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ، وقرأ عكرمة «حيناً تمسون وحيناً تصبحون » والمعنى حين تمسون فيه [ وحينا تصبحون فيه ]{[9293]} .
وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا .
وتقديم المجرور في { ولَهُ الحَمْد } لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم : فلان الشجاع ، كما تقدم في طالعة سورة الفاتحة . ولك أن تجعل التقديم للاهتمام بضمير الجلالة .
والإمساء : حلول المساء . والإصباح : حلول الصباح . وتقدم في قوله { فالق الإصباح } في سورة الأنعام ( 96 ) . والإمساء : اقتراب غروب الشمس إلى العشاء ، والصباح : أول النهار . والإظهار : حلول وقت الظهر وهو نصف النهار .
وقد استعمل الإفعال الذي همزته للدخول في المكان مثل : أنجد ، وأتهم ، وأيْمَنَ ، وأشأم في حلول الأوقات من المساء والصباح والظهر تشبيهاً لذلك الحلول بالكون في المكان ، فيكثر أن يقال : أصبح وأضحى وأمسى وأعْتَمَ وأشرَق ، قال تعالى { فأتبعوهم مشرقين } [ الشعراء : 60 ] .
والعشي : ما بعد العصر ، وقد تقدم عند قوله تعالى { ولا تَطْرُدِ الذين يَدْعُون ربهم بالغداة والعشي في سورة الأنعام ( 52 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.