ولما ذكر ما يدل على خصوص التنزيه ، اتبعه ما يعرف بعموم الكمال ، فقال ذاكراً لوقت كمال النهار وكمال الظلام ، و{[52770]} تذكيراً بما يحدث عندهما للآدمي من النقص بالفتور والنوم اعتراضاً بين الأوقات للاهتمام{[52771]} بضم التحميد إلى التسبيح : { وله } أي وحده مع{[52772]} النزاهة عن شوائب النقص { الحمد } أي الإحاطة بأوصاف الكمال .
ولما قدم سبحانه أن تنزهه ملأ الأزمان ، وكان ذلك مستلزماً لملء الأكوان ، وكان إثبات الكمال أبين شرفاً من التنزيه{[52773]} عن النقص ، صرح فيه بالقبيلين فقال : { في السماوات } أي الأجرام العالية كلها التي{[52774]} تحريكها - مع أنها من الكبر في حد لا يحيط به إلا هو سبحانه - سبب للإمساء والإصباح وغيرهما من المنافع { والأرض } التي فيها من المنافع ما يجل عن إحاطتكم به مع أنها بالنسبة إلى السماء كحلقة ملقاة في فلاة ، ولولا ذلك لظهر لكم ذلك برؤية ما وراءها كما هو{[52775]} شأن كل مظل مع كل مقل كما تشاهدون السحاب ونحوه .
ولما خص الإمساء والإصباح ، عمّ فقال معبراً بما يدل على الدوام ، لأن وقت النوم الدال على النقص أولى بإثبات الكمال فيه : { وعشياً } أي من الزوال إلى الصباح { وحين تظهرون* } أي تدخلون في شدة الحر ، وسبحان الله في ذلك كله ، فالآية من الاحتباك : ذكر التسبيح أولاً دليلاً على إرادته ثانياً ، والحمد ثانياً دليلاً على إرادته أولاً{[52776]} ، ولعل المراد بالإظهار{[52777]} هنا ما هو أعم من وقت الظهر ليكون المراد به من حين يزول اسم الصباح من وقت ارتفاع الشمس إلى أن يحدث{[52778]} اسم المساء ، وهو من الظهر إلى الغروب - قاله{[52779]} ابن طريف{[52780]} في كتابه الأفعال ونقله عنه الإمام عبد الحق في كتابه الواعي ، وذلك حين استبداد{[52781]} النهار فيكون كماله فيما دون ذلك من باب الأولى ، وهذا مع هذه الدقائق إشارة إلى الصلوات الخمس ، أي سبحوه بالخضوع له بالصلاة في وقت المساء بصلاة العصر والمغرب ، وفي وقت الصباح بالصبح ، وفي العشى بالعشاء ، وفي الإظهار بالظهر ، وفي هذا التخريج من الحسن بيان الاهتمام بالصلاة الوسطى ، فابتدأ سبحانه بالعصر التي قولها أصح{[52782]} الأقوال ، ودخول المغرب في حيزها بطريق التبعية والقصد الثاني ، وثنى بالصبح وهي تليها في الأصحيّة وهما القريبتان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من صلى البردين دخل الجنة " - رواه الشيخان{[52783]} عن أبي موسى رضي الله عنه ، " من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وجبت له الجنة " - أسنده صاحب الفردوس{[52784]} عن عمارة بن{[52785]} رويبة رضي الله عنه ورواه مسلم{[52786]} وغيره عنه بلفظ : " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " - يعني الفجر والعصر " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر{[52787]} فقال : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا لا تفوتنكم{[52788]} " ، ثم قرأ { فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } رواه البخاري{[52789]} عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح{[52790]} " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون{[52791]} في صلاة الفجر وصلاة العصر " يدخل هنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.