الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

الثانية- قوله تعالى : " وله الحمد في السماوات والأرض " اعتراض بين الكلام بدؤوب الحمد على نعمه وآلائه . وقيل : معنى " وله الحمد " أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد . والأول أظهر . فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته . فيكون نوعا آخر خلاف الصلاة ، والله أعلم . وبدأ بصلاة المغرب لأن الليل يتقدم النهار . وفي سورة " الإسراء " {[12454]} بدأ بصلاة الظهر إذ هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم . الماوردي : وخص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن للإنسان في النهار متقلبا في أحوال توجب حمد الله تعالى عليها ، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها ؛ فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار ، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل .

الثالثة- قرأ عكرمة " حينا تمسون وحينا تصبحون " والمعنى : حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه ، فحذف " فيه " تخفيفا ، والقول فيه كالقول في " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا " {[12455]} [ البقرة : 48 ] . " وعشيا وحين تظهرون " قال الجوهري : العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ؛ تقول : أتيته عشية أمس وعشي أمس . وتصغير العشي : عشيان ، على غير قياس مكبره ، كأنهم صغروا عشيانا ، والجمع عشيانات . وقيل أيضا في تصغيره : عشيشيان ، والجمع عشيشيات . وتصغير العشية عشيشية ، والجمع عشيشيات . والعشاء ( بالكسر{[12456]} والمد ) مثل العشي . والعشاء إن{[12457]} المغرب والعتمة . وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، وأنشدوا :

غدونا غدوةً سحرا بليل *** عشاءً بعدما انتصف النهارُ

الماوردي : والفرق بين المساء والعشاء : أن المساء بدو الظلام بعد المغيب ، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب ، وهو مأخوذ من عشا العين ، وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس .


[12454]:راجع ج 10 ص 210.
[12455]:راجع ج 1 ص 377 فما بعد.
[12456]:من ك.
[12457]:في ج: " والعشاء".