لا جرم أن الله نصرهم ، وجعل لهم العاقبة في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : { فآتاهم الله ثواب الدنيا } من النصر والظفر والغنيمة ، { وحُسن ثواب الآخرة } وهو الفوز برضا ربهم ، والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات ، وما ذاك إلا أنهم أحسنوا له الأعمال ، فجازاهم بأحسن الجزاء ، فلهذا قال : { والله يحب المحسنين } في عبادة الخالق ومعاملة الخلق ، ومن الإحسان أن يفعل عند جهاد الأعداء ، كفعل هؤلاء الموصوفين{[164]}
وهؤلاء الذين لم يطلبوا لأنفسهم شيئا ، أعطاهم الله من عنده كل شيء . أعطاهم من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة . وأعطاهم كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه :
( فآتاهم الله ثواب الدنيا ، وحسن ثواب الآخرة ) . .
وشهد لهم - سبحانه - بالإحسان . فقد أحسنوا الأدب وأحسنوا الجهاد ، وأعلن حبه لهم . وهو أكبر من النعمة وأكبر من الثواب :
وهكذا تنتهي هذه الفقرة في الاستعراض ؛ وقد تضمنت تلك الحقائق الكبيرة في التصور الإسلامي . وقد أدت هذا الدور في تربية الجماعة المسلمة . وقد ادخرت هذا الرصيد للأمة المسلمة في كل جيل . .
و { ثواب الدنيا } في هذه الآية : الظهور على عدوهم ، قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما ، وقال ابن جريج : الظفر والغنيمة ، وفسر بهذا جماعة من المؤلفين في التفسير ، قال النقاش : ليس إلا الظفر والغلبة فقط ، لأن الغنيمة لم تحلل إلا لهذه الأمة .
قال الفقيه الإمام : وهذا اعتراض صحيح ، { وحسن ثواب الآخرة } الجنة بلا خلاف ، وعبر بلفظة «حسن » زيادة في الترغيب{[3600]} وباقي الآية بين .
قوله : { فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة } إعلام بتعجيل إجابة دعوتهم لِحصول خيري الدنيا والآخرة ، فثواب الدّنيا هو الفتح والغنيمة ، وثواب الآخرة هو ما كتب لهم حينئذ من حسن عاقبة الآخرة ، ولذلك وصفه بقوله : { وحسن ثواب الآخرة } لأنَّه خيرٌ وأبقى . وتقدّم الكلام على الثّواب عند قوله تعالى في سورة [ البقرة : 103 ] { لمثوبة من عند اللَّه خير }
وجملة { والله يحب المحسنين } تذييل أي يحبّ كلّ محسن ، وموقع التذييل يدلّ على أنّ المتحدّث عنهم هم من الَّذين أحسنوا ، فاللام للجنس المفيد معنى الاستغراق ، وهذه من أكبر الأدلّة على أنّ ( أل ) الجنسية إذا دخلت على جمع أبطلت منه معنى الجمعية ، وأنّ الاستغراق المفاد من ( أل ) إذا كان مدخولها مفرداً وجملة سواء .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فآتاهم الله ثواب الدنيا}، يقول: أعطاهم النصر والغنيمة في الدنيا، {وحسن ثواب الآخرة} جنة الله ورضوانه، فمن فعل ذلك فقد أحسن، فذلك قوله عز وجل: {والله يحب المحسنين}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني بذلك تعالى ذكره: فأعطى الله الذين وصفهم بما وصفهم من الصبر على طاعة الله بعد مقتل أنبيائهم، وعلى جهاد عدوّهم، والاستعانة بالله في أمورهم، واقتفائهم مناهج إمامهم، على ما أبلوا في الله {ثَوَابَ الدّنْيَا} يعني: جزاء في الدنيا، وذلك النصر على عدوّهم وعدوّ الله، والظفر والفتح عليهم، والتمكين لهم في البلاد {وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} يعني: وخير جزاء الآخرة، على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة، وذلك الجنة ونعيمها...
وقوله: {وَاللّهُ يُحِبّ المُحْسِنِينَ} يقول تعالى ذكره: فعل الله ذلك بإحسانهم، فإنه يحب المحسنين، وهم الذين يفعلون مثل الذي وصف عنهم تعالى ذكره أنهم فعلوه حين قتل نبيهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى: {فآتاهم الله ثواب الدنيا} الذكر والثناء وهم كذلك اليوم يتبعهم وتقتدى آثارهم وهم موتى...
وقوله تعالى: {وحسن ثواب الآخرة} الدائم وذكر في ثواب الآخرة الحسن ولم يذكر في ثواب الدنيا الحسن لأن ثواب الآخرة دائم لا يزول أو أن يكون في ثواب الدنيا آفات وأحزان فينقص ذلك وليس ثواب الآخرة كذلك والله أعلم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدّمه، وأنه هو المعتدّ به عنده: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الأخرة} [الأنفال: 67].
اعلم أنه تعالى لما شرح طريقة الربيين في الصبر، وطريقتهم في الدعاء ذكر أيضا ما ضمن لهم في مقابلة ذلك في الدنيا والآخرة فقال: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة}... قوله: {فآتاهم الله} يقتضي أنه تعالى أعطاهم الأمرين، أما ثواب الدنيا فهو النصرة والغنيمة...
وأما ثواب الآخرة فلا شك أنه هو الجنة وما فيها من المنافع واللذات وأنواع السرور والتعظيم، وذلك غير حاصل في الحال، فيكون المراد أنه تعالى حكم لهم بحصولها في الآخرة، فأقام حكم الله بذلك مقام نفس الحصول، كما أن الكذب في وعد الله والظلم في عدله محال، أو يحمل قوله: {فأتاهم} على أنه سيؤتيهم على قياس قوله: {أتى أمر الله} أي سيأتي أمر الله. قال القاضي: ولا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصة بالشهداء، وقد أخبر الله تعالى عن بعضهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فيكون حال هؤلاء الربيين أيضا كذلك، فإنه تعالى في حال إنزال هذه الآية كان قد آتاهم حسن ثواب الآخرة في جنان السماء...
[ثم إنه تعالى] قال فيما تقدم: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} فذكر لفظة «من» الدالة على التبعيض فقال في الآية: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة} ولم يذكر كلمة «من» والفرق: أن الذين يريدون ثواب الآخرة إنما اشتغلوا بالعبودية لطلب الثواب، فكانت مرتبتهم في العبودية نازلة، وأما المذكورون في هذه الآية فإنهم لم يذكروا في أنفسهم إلا الذنب والقصور، وهو المراد من قوله: {اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} ولم يروا التدبير والنصرة والإعانة إلا من ربهم، وهو المراد بقوله: {وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} فكان مقام هؤلاء في العبودية في غاية الكمال، فلا جرم أولئك فازوا ببعض الثواب، وهؤلاء فازوا بالكل، وأيضا أولئك أرادوا الثواب، وهؤلاء ما أرادوا الثواب. وإنما أرادوا خدمة مولاهم فلا جرم أولئك حرموا وهؤلاء أعطوا، ليعلم أن كل من أقبل على خدمة الله أقبل على خدمته كل ما سوى الله.
ثم قال: {والله يحب المحسنين} وفيه دقيقة لطيفة وهي أن هؤلاء اعترفوا بكونهم مسيئين حيث قالوا: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} فلما اعترفوا بذلك سماهم الله محسنين، كأن الله تعالى يقول لهم: إذا اعترفت بإساءتك وعجزك فأنا أصفك بالإحسان وأجعلك حبيبا لنفسي، حتى تعلم أنه لا سبيل للعبد إلى الوصول إلى حضرة الله إلا بإظهار الذلة والمسكنة والعجز. وأيضا: أنهم لما أرادوا الإقدام على الجهاد طلبوا تثبيت أقدامهم في دينه ونصرتهم على العدو من الله تعالى، فعند ذلك سماهم بالمحسنين، وهذا يدل على أن العبد لا يمكنه الإتيان بالفعل الحسن، إلا إذا أعطاه الله ذلك الفعل الحسن وأعانه عليه، ثم إنه تعالى قال: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} وقال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وكل ذلك يدل على أنه سبحانه هو الذي يعطي الفعل الحسن للعبد، ثم أنه يثيبه عليه ليعلم العبد أن الكل من الله وبإعانة الله.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
ولمّا تقدم في دعائهم ما يتضمن الإجابة فيه الثوابين وهو قولهم: اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا، فهذا يتضمن ثواب الآخرة. وثبت أقدامنا وانصرنا يتضمن ثواب الدنيا، أخبر تعالى أنه منحهم الثوابين. وهناك بدأوا في الطلب بالأهم عندهم، وهو ما ينشأ عنه ثواب الآخرة، وهنا أخبر بما أعطاهم مقدماً. ذكر ثواب الدنيا ليكون ذلك إشعاراً لهم بقبول دعائهم وإجابتهم إلى طلبهم، ولأن ذلك في الزمان متقدم على ثواب الآخرة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
هذه الآية منعطفة على ما أمر به الصحابة رضي الله عنهم على طريقة اللف والنشر المشوش، فنفي الوهن تعريض بمن أشير إليه في آية {ولقد كنتم تمنون الموت} [آل عمران: 143] ومحبة الصابرين تعريض بمن لم يصبر وقوله "ويعلم الصابرين "ونحو ذلك والثناء على قولهم حث على مثل ما ندبهم إليه في قوله {ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} [آل عمران: 135] وثبات الإقدام إشارة إلى {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 139] وإلى أن ثبات القدم للنصر على أعداء الله كان شاغلاً لهم عن الالتفات إلى غيره، وتعريض بمن أقبل على الغنائم وترك طلب العدو لتمام النصر المشار إليهم بآية {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} [آل عمران: 145] وإيتاء الثواب ناظر إلى النهي عن الربا وما انتظم في سلكه وداناه، وإلى الأمر بالمسارعة إلى الجنة وما والاه، وإيماء إلى أن من فعل فعلهم نال ما نالوا، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، لأن علمه محيط، وكرمه لا يحد، وخزائنه لا تنفد، بل لا تنقص، ثم ختمها بما ختم به للحث على التخلق بأوصاف المتقين؛ فقد اتضح بغير لبس أن المراد بهذه الآية -وهي الإخبار عن إيتائهم الثواب- التنبيه على أن أهم الأمور وأحقها بالبداءة التخلق بما وعظوا به قبل قص القصة، ولا ريب أن في مدح من سواهم تهييجاً زائداً لانبعاث نفوسهم وتحرك هممهم وتنبيه نشاطهم وثوران عزائمهم غيرة منهم أن يكون أحد -وهم خير أمة أخرجت للناس- أعلى همة وأقوى عزيمة وأشد شكيمة وأصلب عوداً واثبت عموداً وأربط جأشاً وأذكر لله وأرغب فيما عنده وأزهد فيما أعرض عنه منهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهؤلاء الذين لم يطلبوا لأنفسهم شيئا، أعطاهم الله من عنده كل شيء. أعطاهم من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة. وأعطاهم كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه: (فآتاهم الله ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة).. وشهد لهم -سبحانه- بالإحسان. فقد أحسنوا الأدب وأحسنوا الجهاد، وأعلن حبه لهم. وهو أكبر من النعمة وأكبر من الثواب: (والله يحب المحسنين).. وهكذا تنتهي هذه الفقرة في الاستعراض؛ وقد تضمنت تلك الحقائق الكبيرة في التصور الإسلامي. وقد أدت هذا الدور في تربية الجماعة المسلمة. وقد ادخرت هذا الرصيد للأمة المسلمة في كل جيل..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قوله: {فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة} إعلام بتعجيل إجابة دعوتهم لِحصول خيري الدنيا والآخرة، فثواب الدّنيا هو الفتح والغنيمة، وثواب الآخرة هو ما كتب لهم حينئذ من حسن عاقبة الآخرة، ولذلك وصفه بقوله: {وحسن ثواب الآخرة} لأنَّه خيرٌ وأبقى. وتقدّم الكلام على الثّواب عند قوله تعالى في سورة [البقرة: 103] {لمثوبة من عند اللَّه خير}
وجملة {والله يحب المحسنين} تذييل أي يحبّ كلّ محسن، وموقع التذييل يدلّ على أنّ المتحدّث عنهم هم من الَّذين أحسنوا، فاللام للجنس المفيد معنى الاستغراق، وهذه من أكبر الأدلّة على أنّ (أل) الجنسية إذا دخلت على جمع أبطلت منه معنى الجمعية، وأنّ الاستغراق المفاد من (أل) إذا كان مدخولها مفرداً وجملة سواء.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الفاء هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي أنهم بسبب ذلك الصبر والاطمئنان نالوا جزاء الدنيا وثوابها بالنصر والغنيمة وجعل كلمة الله تعالى هي العليا، ومكن لهم في الأرض، وبسبب هذا أيضا نالوا حسن ثواب الآخرة، أي نالوا النعيم المقيم، وجنات عدن، وما فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ونالوا ما هو أعلى من ذلك وهو رضا الله تعالى ثم محبته، وهي أعلى الدرجات...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
[فآتاهُمُ اللّه ثواب الدُّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يُحبُّ المحسنين] الذين يعملون له عندما يعملون، ويتوكلون عليه عندما يجاهدون. تلك هي الصورة في مجتمع النبوّات السابقة، وتلك هي الصورة التي يريد اللّه للمجتمع المسلم أن يستعيدها في نفسه عندما تضيق به الأمور، وتُحيق به الهزائم، وتجتمع في آفاقه الأزمات، وتتضافر عليه قوى الشر... فيسأل اللّه الفرج حيث لا فرج، والمدد حيث لا مدد؛ فتسكن النفس، ويرتاح اللب، وتثبت الأقدام، وينفتح للحياة على اللّه درب طويل لا نهاية له، تخضرّ فيه أرواح، وتنبت فيه كلّ الجنائن الروحيّة التي يزهر فيها الورد، وتتفتح فيها براعم الرياحين... ويبدأ الإنسان حياته الجديدة الآمنة المطمئنة في آفاق اللّه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنهم بمثل هذا التفكر الصحيح والعمل الصالح كانوا يحصلون على ثوابهم دون تأخير، وهو ثواب مزدوج، أما في الدنيا فالنصر والفتح، وأما في الآخرة فما أعد الله للمؤمنين المجاهدين الصادقين: (فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة).
ثمّ إنه سبحانه يعد هؤلاء في نهاية هذه الآية من المحسنين إذ يقول: (والله يحب المحسنين).
وبهذا النحو يبين القرآن درساً حياً للمسلمين الحديثي العهد بالإسلام، من حياة الأُمم السابقة وسلوكهم مع أنبيائهم، وكيفية تعاملهم مع المشكلات الطارئة، وكيفية التغلب عليها، وهو درس من شأنه أن يربيهم ويعدّهم للحوادث المستقبلة، والمعارك القادمة.
ثمّ إن هناك في هذه الآيات نقاطاً هامة أخرى جديرة بالتوجه والالتفات نشير إليها فيما يلي:
ـ الصبر ـ كما أشرنا إليه سابقاً ـ يعني الثبات والصمود، ولهذا جاء في هذه الآية في مقابل «الضعف والاستكانة» كما ويدل على ذلك كون الصابرين في رديف المحسنين إذ قال في الآية الأُولى: (والله يحب الصابرين) وقال في الآية الثالثة (والله يحب المحسنين) وهو إشعار بأن الإحسان لا يمكن إلاّ بالثبات والصمود والصبر، لأن المحسن تواجهه آلاف المشاكل، فإذا لم يكن مزوداً بالصمود والصبر والثبات والاستقامة لم يمكنه الاستمرار في عمله، بل سرعان ما يتركه في خضم المشكلات.
ـ إن المجاهدين الحقيقيين هم الذين لا ينسبون الهزيمة إلى غيرهم، أو يسندونها إلى عوامل وأسباب خيالية ووهمية، بل يبحثون عنها في نفوسهم وذواتهم، ويحاولون ـ بصدق ـ التخلص منها من خلال تصحيح الأخطاء، وترميم الثغرات، بل لا يتلفظون بكلمة الهزيمة، إنما يعبرون عنها بالإسراف، والإفراط غير المبرر، تماماً على العكس منا اليوم حيث نسعى غالباً لأن نتجاهل هزائمنا بالمرة، وأن ننسبها إلى عوامل خارجية لا تمت إلى ذواتنا بصلة، ولا ترتبط بسلوكنا وأفكارنا، ولهذا فإننا لا نفكر في إصلاح الأخطاء، وإزالة نقاط ضعفنا.
ـ لقد عبرت الآية الثالثة عن الجزاء الدنيوي بثواب الدنيا، ولكنها عبرت عن الجزاء الأخروي بحسن ثواب الآخرة، وهذه إشارة إلى أن ثواب الآخرة يختلف عن ثواب الدنيا اختلافا كلياً، لأن ثواب الدنيا مهما يكن فهو ممزوج بالفناء والعدم، ويقترن ببعض المنغصات والمكروهات الذي هو من طبيعة الحياة الدنيا، في حين أن ثواب الآخرة حسن كلّه، إنه خير خالص لا فناء فيه ولا عناء، ولا انقطاع فيه ولا انتهاء، ولا كدورات فيه ولا منغصات، ولا متاعب ولا مزعجات.