البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (148)

وقد جاء في القرآن أدعية أعقب الله بالإجابة فيها { فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة } قرأ الجحدري : فأثابهم من الإثابة .

ولمّا تقدم في دعائهم ما يتضمن الإجابة فيه الثوابين وهو قولهم : اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا ، فهذا يتضمن ثواب الآخرة .

وثبت أقدامنا وانصرنا يتضمن ثواب الدنيا ، أخبر تعالى أنه منحهم الثوابين .

وهناك بدأوا في الطلب بالأهم عندهم ، وهو ما ينشأ عنه ثواب الآخرة ، وهنا أخبر بما أعطاهم مقدماً .

ذكر ثواب الدنيا ليكون ذلك إشعاراً لهم بقبول دعائهم وإجابتهم إلى طلبهم ، ولأن ذلك في الزمان متقدم على ثواب الآخرة .

قال قتادة وابن إسحاق وغيرهما : ثواب الدنيا هو الظهور على عدوهم .

وقال ابن جريج : هو الظفر والغنيمة .

وقال الزمخشري : ثواب الدّنيا من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر .

وقال النقاش : ليس إلا الظفر والغلبة ، لأن الغنيمة لم تحل إلا لهذه الأمّة .

وهذا صحيح ثبت في الحديث الصحيح : « وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي » وهي إحدى الخمس الذي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤتها أحد قبله .

وحسن ثواب الآخرة الجنة بلا خلاف قاله : ابن عطية .

وقيل : الأجر والمغفرة .

وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدمه ، وأنه هو المعتد به عنده { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } وترغيباً في طلب ما يحصله من العمل الصالح ومناسبة لآخر الآية .

قال علي : من عمل لدنياه أضرّ بآخرته ، ومن عمل لآخرته أضرّ بدنياه ، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام .

{ والله يحب المحسنين } « قد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان حين سئل عن حقيقته في حديث سؤال جبريل : » أن تعبد الله كأنك تراه « وفسره المفسرون هنا بأحد قولين ، وهو من أحسن ما بينه وبين ربه في لزوم طاعته ، أو من ثبت في القتال مع نبيه حتى يقتل أو يغلب .

/خ152