غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (148)

142

{ فآتاهم الله ثواب الدنيا } من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر وانشراح الصدر { وحسن ثواب الآخرة } وهو الجنة وما فيها من المنافع واللذات وذلك غير حاصل في الحال . والمراد أنه حكم لهم بحصولها في الآخرة ، وحكم الله بالحصول كنفس الحصول . أو المراد أنه سيؤتيهم مثل أتى أمر الله أي سيأتي ، قال القاضي : ولا يمتنع أن تكون الآية مختصة بالشهداء وأنهم في الجنة عند ربهم كما ماتوا أحياء ، وثواب الآخرة كله حسن ، فما ظنك بحسن ثوابها ؟ وإنما لم يصف ثواب الدنيا بالحسن لقلتها وامتزاجها بالمضار وكدر صفوها بالانقطاع والزوال .

قال القفال : يحتمل أن يكون الحسن هو الحسن كقوله :{ وقولوا للناس حسناً }

[ البقرة :83 ] والغرض منه المبالغة كما يقال : فلان جود وعدل إذا كان غاية في الجود ونهاية في العدل . وههنا نكتة وهي أنه أدخل " من " التبعيضية في الآية المتقدمة في قوله : { نؤته منها } في الموضعين ، ولم يذكر في هذه الآية . لأن أولئك اشتغلوا بالثواب عن العبودية فلم ينالوا إلا البعض ، بخلاف هؤلاء فإنهم لم يذكروا أنفسهم إلا بالعيب والقصور ولم يسألوا ربهم إلا ما يوجب إعلاء كلمته ، فلا جرم فازوا بالكل . وفيه تنبيه على أن من أقبل على خدمة الله أقبل على خدمته كل ما سوى الله . ثم قال { والله يحب المحسنين } والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه . وههنا سر وهو أنه تعالى وفقهم للطاعة ثم أثابهم عليها ثم مدحهم على ذلك فسماهم محسنين ، ليعلم العبد أن الكل بعنايته وفضله .

/خ150