فلما تم الثناء على فعلهم وقولهم ذكر ما سببه لهم ذلك من الجزاء فقال{[19370]} { فأتاهم الله } المحيط علماً وقدرةً { ثواب الدنيا } أي بأن قبل دعاءهم بالنصر والغنى{[19371]} بالغنائم{[19372]} وغيرها وحسن الذكر وانشراح الصدر وزوال شبهات الشر .
ولما كان ثواب الدنيا كيف ما كان لا بد أن يكون بالكدر مشوباً{[19373]} وبالبلاء مصحوباً{[19374]} ، لأنها دار الأكدار ؛ أعراه{[19375]} من وصف الحسن ، وخص الآخرة به فقال : { وحسن ثواب الآخرة } أي مجازاً بتوفيقهم إلى الأسباب في الدنيا ، وحقيقة في الآخرة ، فإنهم أحسنوا في هذا {[19376]}الفعال والمقال{[19377]} ، لكونهم لم يطلبوا بعبادتهم{[19378]} غير وجه الله ، فأحبهم لإحسانهم { والله } المحيط بصفات الكمال { يحب المحسنين * } كلهم ، فهو جدير بأن يفعل بهم كل جميل ولذلك{[19379]} رفع منزلتهم ولم يجعل ثوابهم بعضاً ، كما فعل بمن عبد{[19380]} لإرادة الثواب فقال :{ نؤته منها }[ آل عمران : 145 ] فقد بان أن{[19381]} هذه الآية منعطفة على ما أمر به الصحابة رضي الله عنهم على طريقة اللف والنشر المشوش ، فنفي الوهن تعريض بمن أشير إليه في آية
{ ولقد كنتم تمنون الموت }[ آل عمران : 143 ] ومحبة الصابرين تعريض بمن لم يصبر وقوله " ويعلم الصابرين " ونحو ذلك والثناء على قولهم حث على مثل{[19382]} ما ندبهم إليه في قوله{ ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم }[ آل عمران : 135 ] وثبات الإقدام إشارة إلى
{ وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }[ آل عمران : 139 ] وإلى{[19383]} أن ثبات القدم للنصر على أعداء الله كان شاغلاً لهم عن الالتفات إلى غيره ، وتعريض بمن{[19384]} أقبل على الغنائم وترك طلب العدو{[19385]} لتمام النصر المشار إليهم بآية{ ومن يرد{[19386]} ثواب الدنيا نؤته منها }[ آل عمران : 145 ] وإيتاء الثواب ناظر إلى النهي عن الربا وما انتظم في سلكه وداناه{[19387]} ، وإلى الأمر بالمسارعة إلى الجنة وما والاه ، وإيماء إلى أن من فعل فعلهم نال ما نالوا ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، لأن علمه{[19388]} محيط ، وكرمه لا يحد ، وخزائنه لا تنفد ، بل لا تنقص{[19389]} ، ثم ختمها بما ختم به للحث على التخلق بأوصاف المتقين ؛ فقد اتضح بغير لبس أن المراد بهذه الآية - وهي الإخبار عن إيتائهم الثواب - التنبيه على أن أهم الأمور وأحقها بالبداءة التخلق بما وعظوا به قبل{[19390]} قص القصة ، ولا ريب أن في مدح من سواهم{[19391]} تهييجاً زائداً لانبعاث {[19392]}نفوسهم وتحرك هممهم وتنبيه نشاطهم وثوران عزائمهم غيرة{[19393]} منهم أن يكون أحد - وهم خير أمة أخرجت للناس - أعلى همة وأقوى عزيمة وأشد شكيمة وأصلب عوداً واثبت عموداً وأربط جأشاً{[19394]} وأذكر لله{[19395]} وأرغب فيما عنده وأزهد فيما أعرض{[19396]} عنه{[19397]} منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.