نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (148)

فلما تم الثناء على فعلهم وقولهم ذكر ما سببه لهم ذلك من الجزاء فقال{[19370]} { فأتاهم الله } المحيط علماً وقدرةً { ثواب الدنيا } أي بأن قبل دعاءهم بالنصر والغنى{[19371]} بالغنائم{[19372]} وغيرها وحسن الذكر وانشراح الصدر وزوال شبهات الشر .

ولما كان ثواب الدنيا كيف ما كان لا بد أن يكون بالكدر مشوباً{[19373]} وبالبلاء مصحوباً{[19374]} ، لأنها دار الأكدار ؛ أعراه{[19375]} من وصف الحسن ، وخص الآخرة به فقال : { وحسن ثواب الآخرة } أي مجازاً بتوفيقهم إلى الأسباب في الدنيا ، وحقيقة في الآخرة ، فإنهم أحسنوا في هذا {[19376]}الفعال والمقال{[19377]} ، لكونهم لم يطلبوا بعبادتهم{[19378]} غير وجه الله ، فأحبهم لإحسانهم { والله } المحيط بصفات الكمال { يحب المحسنين * } كلهم ، فهو جدير بأن يفعل بهم كل جميل ولذلك{[19379]} رفع منزلتهم ولم يجعل ثوابهم بعضاً ، كما فعل بمن عبد{[19380]} لإرادة الثواب فقال :{ نؤته منها }[ آل عمران : 145 ] فقد بان أن{[19381]} هذه الآية منعطفة على ما أمر به الصحابة رضي الله عنهم على طريقة اللف والنشر المشوش ، فنفي الوهن تعريض بمن أشير إليه في آية

{ ولقد كنتم تمنون الموت }[ آل عمران : 143 ] ومحبة الصابرين تعريض بمن لم يصبر وقوله " ويعلم الصابرين " ونحو ذلك والثناء على قولهم حث على مثل{[19382]} ما ندبهم إليه في قوله{ ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم }[ آل عمران : 135 ] وثبات الإقدام إشارة إلى

{ وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }[ آل عمران : 139 ] وإلى{[19383]} أن ثبات القدم للنصر على أعداء الله كان شاغلاً لهم عن الالتفات إلى غيره ، وتعريض بمن{[19384]} أقبل على الغنائم وترك طلب العدو{[19385]} لتمام النصر المشار إليهم بآية{ ومن يرد{[19386]} ثواب الدنيا نؤته منها }[ آل عمران : 145 ] وإيتاء الثواب ناظر إلى النهي عن الربا وما انتظم في سلكه وداناه{[19387]} ، وإلى الأمر بالمسارعة إلى الجنة وما والاه ، وإيماء إلى أن من فعل فعلهم نال ما نالوا ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، لأن علمه{[19388]} محيط ، وكرمه لا يحد ، وخزائنه لا تنفد ، بل لا تنقص{[19389]} ، ثم ختمها بما ختم به للحث على التخلق بأوصاف المتقين ؛ فقد اتضح بغير لبس أن المراد بهذه الآية - وهي الإخبار عن إيتائهم الثواب - التنبيه على أن أهم الأمور وأحقها بالبداءة التخلق بما وعظوا به قبل{[19390]} قص القصة ، ولا ريب أن في مدح من سواهم{[19391]} تهييجاً زائداً لانبعاث {[19392]}نفوسهم وتحرك هممهم وتنبيه نشاطهم وثوران عزائمهم غيرة{[19393]} منهم أن يكون أحد - وهم خير أمة أخرجت للناس - أعلى همة وأقوى عزيمة وأشد شكيمة وأصلب عوداً واثبت عموداً وأربط جأشاً{[19394]} وأذكر لله{[19395]} وأرغب فيما عنده وأزهد فيما أعرض{[19396]} عنه{[19397]} منهم .


[19370]:زيد من ظ ومد.
[19371]:من ظ ومد، وفي الأصل: والغنايم.
[19372]:من ظ ومد، وفي الأصل: شوبا.
[19373]:في ظ: لصحوابا ـ كذا.
[19374]:في مد: عراء.
[19375]:في مد: عراء.
[19376]:من ظ ومد، وفي الأصل: القتال والقتال ـ كذا.
[19377]:من ظ ومد، وفي الأصل: القتال والقتال ـ كذا.
[19378]:من مد، وفي الأصل وظ: بعنادهم.
[19379]:من ظ ومد، وفي الأصل: كذلك.
[19380]:في ظ: عبده.
[19381]:سقط من ظ.
[19382]:زيد من مد.
[19383]:من ظ ومد، وفي الأصل: أي.
[19384]:من ظ ومد، وفي الأصل: ممن ـ كذا.
[19385]:من ظ ومد، وفي الأصل: الهدو.
[19386]:سقط من مد.
[19387]:من ظ ومد، وفي الأصل: أو داناه ـ كذا.
[19388]:في ظ: عمله.
[19389]:في ظ: لا ينقص.
[19390]:في ظ: فقيل.
[19391]:في ظ: سوالهم.
[19392]:من ظ ومد، وفي الأصل: لالتفاف.
[19393]:في الأصول: غيره.
[19394]:في الأصل ومد: حاشا، وفي ظ: حاسا ـ كذا.
[19395]:من مد، وفي الأصل وظ: الله.
[19396]:من ظ ومد، وفي الأصل: عرض.
[19397]:من مد، وفي الأصل وظ: عنهم.