معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

قوله تعالى : { وما لنا أن لا نتوكل على الله } ، وقد عرفنا أن لا ننال شيئا إلا بقضائه وقدره ، { وقد هدانا سبلنا } ، بين لنا الرشد ، وبصرنا طريق النجاة . { ولنصبرن } ، اللام لام القسم ، مجازة : والله لنصبرن ، { على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون * }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا }

أي : أي شيء يمنعنا من التوكل على الله والحال أننا على الحق والهدى ، ومن كان على الحق والهدى فإن هداه يوجب له تمام التوكل ، وكذلك ما يعلم من أن الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته ، يدعو إلى ذلك ، بخلاف من لم يكن على الحق والهدى ، فإنه ليس ضامنا على الله ، فإن حاله مناقضة لحال المتوكل .

وفي هذا كالإشارة من الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومهم بآية عظيمة ، وهو أن قومهم -في الغالب- لهم القهر والغلبة عليهم ، فتحدتهم رسلهم بأنهم متوكلون على الله ، في دفع كيدكم ومكركم ، وجازمون بكفايته إياهم ، وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على إتلافهم وإطفاء ما معهم من الحق ، فيكون هذا كقول نوح لقومه : { يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون } الآيات .

وقول هود عليه السلام قال : { إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون }

{ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا } أي : ولنستمرن على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم ولا نبالي بما يأتينا منكم من الأذى فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى ، احتسابا للأجر ونصحا لكم لعل الله أن يهديكم مع كثرة التذكير .

{ وَعَلَى اللَّهِ } وحده لا على غيره { فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } فإن التوكل عليه مفتاح لكل خير .

واعلم أن الرسل عليهم الصلاة والسلام توكلهم في أعلى المطالب وأشرف المراتب وهو التوكل على الله في إقامة دينه ونصره ، وهداية عبيده ، وإزالة الضلال عنهم ، وهذا أكمل ما يكون من التوكل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

ثم يواجهون الطغيان بالإيمان ، ويواجهون الأذى بالثبات ؛ ويسألون للتقرير والتوكيد :

( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ؟ ولنصبرن على ما آذيتمونا ، وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) . .

( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) . .

إنها كلمة المطمئن إلى موقفه وطريقه . المالئ يديه من وليه وناصره . المؤمن بأن الله الذي يهدي السبيل لا بد أن ينصر وأن يعين . وماذا يهم حتى ولو لم يتم في الحياة الدنيا نصر إذا كان العبد قد ضمن هداية السبيل ؟ والقلب الذي يحس أن يد الله - سبحانه - تقود خطاه ، وتهديه السبيل ، هو قلب موصول بالله لا يخطئ الشعور بوجوده - سبحانه - وألوهيته القاهرة المسيطرة ؛ وهو شعور لا مجال معه للتردد في المضي في الطريق ، أيا كانت العقبات في الطريق ، وأيا كانت قوى الطاغوت التي تتربص في هذا الطريق . ومن ثم هذا الربط في رد الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - بين شعورهم بهداية الله لهم وبين توكلهم عليه في مواجهة التهديد السافر من الطواغيت ؛ ثم إصرارهم على المضي في طريقهم في وجه هذا التهديد .

وهذه الحقيقة - حقيقة الارتباط في قلب المؤمن بين شعوره بهداية الله وبين بديهية التوكل عليه - لا تستشعرها إلا القلوب التي تزاول الحركة فعلا في مواجهة طاغوت الجاهلية ؛ والتي تستشعر في أعماقها يد الله - سبحانه - وهي تفتح لها كوى النور فتبصر الآفاق المشرقة وتستروح أنسام الإيمان والمعرفة ، وتحس الأنس والقربى . . وحينئذ لا تحفل بما يتوعدها به طواغيت الأرض ؛ ولا تملك أن تستجيب للإغراء ولا للتهديد ؛ وهي تحتقر طواغيت الأرض وما في أيديهم من وسائل البطش والتنكيل . وماذا يخاف القلب الموصول بالله على هذا النحو ؟ وماذا يخيفه من أولئك العبيد ؟ !

( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) . .

( ولنصبرن على ما آذيتمونا ) .

لنصبرن ، لا نتزحزح ولا نضعف ولا نتراجع ولا نهن ؛ ولا نتزعزع ولا نشك ولا نفرط ولا نحيد . .

( وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) . .

/خ27

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

ثم قالت الرسل : { وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ } أي : وما يمنعنا من التوكل عليه ، وقد هدانا لأقوم الطرق وأوضحها وأبينها ، { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا } أي : من الكلام السيئ ، والأفعال السخيفة ، { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

جملة { وما لنا ألا نتوكل على الله } استدلال على صدق رأيهم في تفويض أمرهم إلى الله ، لأنهم رأوا بوارق عنايته بهم إذ هداهم إلى طرائق النجاة والخير ، ومبادىء الأمور تدل على غاياتها .

وأضافوا السبل إلى ضميرهم للاختصار لأن أمور دينهم صارت معروفة لدى الجميع فجمعها قولهم : { سبلنا } .

{ وما لنا ألا نتوكل } استفهام إنكاري لانتفاء توكلهم على الله ، أتوا به في صورة الإنكار بناءً على ما هو معروف من استحماق الكفار إيّاهم في توكلهم على الله ، فجاءوا بإنكار نفي التوكل على الله ، ومعنى { وما لنا ألا نتوكل } ما ثبت لنا من عدم التوكل ، فاللام للاستحقاق .

وزادوا قومهم تأييساً من التأثر بالأذى فأقسموا على أن صبرهم على أذى قومهم سيستمر ، فصيغة الاستقبال المستفادة من المضارع المؤكد بنون التوكيد في { ولنصبرن } دلت على أذى مستقبل .

ودلّت صيغة المضي المنتزع منها المصدر في قوله : { ما آذيتمونا } على أذى مضى . فحصل من ذلك معنى نصبر على أذى متوقع كما صبرنا على أذى مضى . وهذا إيجاز بديع .

وجملة { وعلى الله فليتوكل المتوكلون } يحتمل أن تكون من بقية كلام الرسل فتكون تذييلاً وتأكيداً لجملة { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فكانت تذييلاً لما فيها من العموم الزائد في قوله : { المتوكلون } على عموم { فليتوكل المؤمنون } . وكانت تأكيداً لأن المؤمنين من جملة المتوكلين . والمعنى : من كان متوكلاً في أمره على غيره فليتوكل على الله .

ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى ، فهي تذييل للقصة وتنويه بشأن المتوكلين على الله ، أي لا ينبني التوكل إلا عليه .