قوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } ، أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا في النسب لا في الدين ، { قال يا قوم اعبدوا الله } وحدوا الله عز وجل ، { ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض } ، ابتدأ خلقكم ، { من الأرض } ، وذلك أنهم من آدم عليه السلام وآدم خلق من الأرض ، { واستعمركم فيها } ، أي : جعلكم عمارها وسكانها ، قال الضحاك : أطال عمركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة ، وكذلك قوم عاد . قال مجاهد : أعمركم من عمري ، أي : جعلها لكم ما عشتم . وقال قتادة : أسكنكم فيها . { فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب } ، من المؤمنين ، { مجيب } لدعائهم .
{ 61 - 68 } { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا }
إلى آخر قصتهم{[432]} ، أي : { و } أرسلنا { إِلَى ثَمُودَ } وهم : عاد الثانية ، المعروفون ، الذين يسكنون الحجر ، ووادي القرى ، { أَخَاهُمْ } في النسب { صَالِحًا } عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، ف { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ } أي : وحدوه ، وأخلصوا له الدين { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } لا من أهل السماء ، ولا من أهل الأرض .
{ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ } أي : خلقكم فيها { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : استخلفكم فيها ، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة ، ومكنكم في الأرض ، تبنون ، وتغرسون ، وتزرعون ، وتحرثون ما شئتم ، وتنتفعون بمنافعها ، وتستغلون مصالحها ، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك ، فلا تشركوا به في عبادته .
{ فَاسْتَغْفِرُوهُ } مما صدر منكم ، من الكفر ، والشرك ، والمعاصي ، وأقلعوا عنها ، { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } أي : ارجعوا إليه بالتوبة النصوح ، والإنابة ، { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } أي : قريب ممن دعاه دعاء مسألة ، أو دعاء عبادة ، يجيبه بإعطائه سؤله ، وقبول عبادته ، وإثابته عليها ، أجل الثواب ، واعلم أن قربه تعالى نوعان : عام ، وخاص ، فالقرب العام : قربه بعلمه ، من جميع الخلق ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } والقرب الخاص : قربه من عابديه ، وسائليه ، ومحبيه ، وهو المذكور في قوله تعالى { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }
وفي هذه الآية ، وفي قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } وهذا النوع ، قرب يقتضي إلطافه تعالى ، وإجابته لدعواتهم ، وتحقيقه لمراداتهم ، ولهذا يقرن ، باسمه " القريب " اسمه " المجيب "
فلما أمرهم نبيهم صالح عليه السلام ، ورغبهم في الإخلاص لله وحده ، ردوا عليه دعوته ، وقابلوه أشنع المقابلة .
( وإلى ثمود أخاهم صالحا . قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها . فاستغفروه ثم توبوا إليه ، إن ربي قريب مجيب . .
( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) . .
وإنه كذلك المنهج الذي لا يتبدل :
( فاستغفروه ثم توبوا إليه ) . .
ثم هو التعريف بحقيقة الألوهية كما يجدها في نفسه الرسول :
وذكرهم صالح بنشأتهم من الأرض . نشأة جنسهم ، ونشأة أفرادهم من غذاء الأرض أو من عناصرها التي تتألف منها عناصر تكوينهم الجسدي . ومع أنهم من هذه الأرض . من عناصرها . فقد استخلفهم الله فيها ليعمروها . استخلفهم بجنسهم واستخلفهم بأشخاصهم بعد الذاهبين من قبلهم .
ثم هم بعد ذلك يشركون معه آلهة أخرى . .
( فاستغفروه ثم توبوا إليه ) . .
واطمئنوا إلى استجابته وقبوله :
والإضافة في ( ربي ) ولفظ ( قريب ) ولفظ ( مجيب ) واجتماعها وتجاورها . . ترسم صورة لحقيقة الألوهية كما تتجلى في قلب من قلوب الصفوة المختارة ، وتخلع على الجو أنسا واتصالا ومودة ، تنتقل من قلب النبي الصالح إلى قلوب مستمعيه لو كانت لهم قلوب !
يقول تعالى : ولقد أرسلنا { إِلَى ثَمُودَ } وهم الذين كانوا يسكنون{[14707]} مدائن الحجر بين تبوك والمدينة ، وكانوا بعد عاد ، فبعث الله منهم{[14708]} { أَخَاهُمْ صَالِحًا } فأمرهم{[14709]} بعبادة الله وحده [ لا شريك له الخالق الرازق ]{[14710]} ؛ ولهذا قال : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ } أي : ابتدأ خلقكم منها ، [ من الأرض التي ]{[14711]} خلق منها أباكم آدم ، { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : جعلكم [ فيها ]{[14712]} عُمَّارا تعمرونها وتستغلونها ، لسالف ذنوبكم ، { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه ؛ { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } كما قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } الآية [ البقرة : 186 ] .
{ والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض } هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب . { واستعمركم فيها } عمركم فيها واستبقاكم من العمر ، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها ، وقيل هو من العمرى بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم ، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم . { فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب } قريب الرحمة . { مجيب } لداعيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.