{ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } فإن الإيمان بالله وبالنبي وما أنزل إليه ، يوجب على العبد موالاة ربه ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة من كفر به وعاداه ، وأوضع في معاصيه ، فشرط ولايةِ الله والإيمانِ به ، أن لا يتخذ أعداء الله أولياء ، وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط ، فدل على انتفاء المشروط . { وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : خارجون عن طاعة الله والإيمان به وبالنبي . ومن فسقهم موالاةُ أعداء الله .
وما الدافع ؟ ما دافع القوم لتولي الذين كفروا ؟ إنه عدم الإيمان بالله والنبي :
( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء . ولكن كثيرا منهم فاسقون ) . .
هذه هي العلة . . إنهم لم يؤمنوا بالله والنبي . . إن كثرتهم فاسقة . . إنهم يتجانسون - إذن - مع الذين كفروا في الشعور والوجهة ؛ فلا جرم يتولون الذين كفروا ولا يتولون المؤمنين . .
وتبرز لنا من هذا التعقيب القرآني ثلاث حقائق بارزة :
الحقيقة الأولى : أن أهل الكتاب جميعا - إلا القلة التي آمنت بمحمد [ ص ] غير مؤمنين بالله . لأنهم لم يؤمنوا برسوله الأخير . ولم ينف القرآن الكريم عنهم الإيمان بالنبي وحده . بل نفى عنهم الإيمان بالله كذلك . ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ) وهو تقرير من الله - سبحانه - لا يقبل التأويل . مهما تكن دعواهم في الإيمان بالله . . وبخاصة إذا اعتبرنا ما هم عليه من انحراف التصور للحقيقة الإلهية كما سلف في آيات هذا الدرس وفي غيرها من آيات القرآن الكريم .
والحقيقة الثانية : أن أهل الكتاب جميعا مدعوون إلى الدخول في دين الله ، على لسان محمد [ ص ] فإن استجابوا فقد أمنوا ، وأصبحوا على دين الله . وإن تولوا فهم كما وصفهم الله .
والحقيقة الثالثة : أنه لا ولاء ولا تناصر بينهم وبين المسلمين ، في شأن من الشئون . لأن كل شأن من شئون الحياة عند المسلم خاضع لأمر الدين .
ويبقى أن الإسلام يأمر أهله بالإحسان إلى أهل الكتاب في العشرة والسلوك ؛ وبحماية أرواحهم وأموالهم وأعراضهم في دار الإسلام ؛ وبتركهم إلى ما هم فيه من عقائدهم كائنة ما تكون ؛ وإلى دعوتهم بالحسنى إلى الإسلام ومجادلتهم بالحسنى كذلك . والوفاء لهم - ما وفوا - بعهدهم ومسالمتهم للمسلمين . . وهم - في أية حال - لا يكرهون على شيء في أمر الدين . .
ثم قال تعالى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } أي : لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسل والفرقان{[10194]} لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن ، ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه { وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : خارجون عن طاعة الله ورسوله مخالفون لآيات وحيه وتنزيله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلََكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : ولو كان هؤلاء الذين يتولون الذين كفروا من بني إسرائيل يُؤْمِنُونَ بالله والنّبِيّ يقول : يصدّقون بالله ويقرّون به ويوحدونه ويصدّقون نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، بأنه لله نبيّ مبعوث ورسول مرسل . وما أُنْزِلَ إلَيْهِ يقول : يقرّون بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من آي الفرقان . ما اتّخَذُوهُمْ أوْلِيَاءٍ يقول : ما اتخذوهم أصحابا وأنصارا من دون المؤمنين . وَلَكِنّ كَثِيرا مِنْهُمْ فاسِقُونَ يقول : ولكن كثيرا منهم أهل خروج عن طاعة الله إلى معصيته وأهل استحلال لما حرّم الله عليهم من القول والفعل . وكان مجاهد يقول في ذلك ما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَالنّبِيّ وَما أُنْزِلَ إلَيْهِ ما اتّخَذُوهُمْ أوْلِياءَ قال : المنافقون .
وقوله تعالى : و { النبي } إن كان المراد الأسلاف فالنبي داود وعيسى ، وإن كان المراد معاصري محمد فالنبي محمد عليه السلام ، والذين كفروا هم عبدة الأوثان ، وخص الكثير منهم بالفسق إذ فيهم قليل قد آمن .
وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى : { ترى كثيراً منهم } كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل وأنه يعني به المنافقين ، وقال مجاهد رحمه الله : { ولو كانوا يؤمنون } آية يعني بها المنافقون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.