الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (81)

وقوله تعالى : { وَلَوْ كَانُوا } : الظاهرُ أنَّ اسم " كان " وفاعل " اتخذوهم " عائدٌ على " كثيراً " من قوله : { تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ } والضميرُ المنصوب في " اتِّخذوهم " يعودُ على " الذين كفروا " في قوله : { يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } وأجاز القفال أن يكون اسمُ " كان " يعودُ على " الذين كفروا " وكذلك الضميرُ المنصوبُ في " اتِّخذوهم " والضميرُ المرفوعُ في " اتخذوهم " يعودُ على اليهودِ ، والمرادُ بالنبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، والتقدير : ولو كان الكافرون المُتَوَلِّون مؤمنين بمحمد والقرآن ما اتخذهم هؤلاء اليهود أولياءَ ، والأولُ أَوْلى لأن الحديثَ عن كثيرٍ لا عن المتولَّيْن ، وجاء الجواب " لو " هنا على الأفصح وهو عدمُ دخولِ اللام عليه لكونه منفياً ، ومثله قول الآخر :

لو أنَّ بالعلمِ تُعْطَى ما تعيشُ به *** لَمَا ظَفِرْت من الدنيا بثُفْرُوْقِ

و " ترى " يجوز أَنْ تكونَ مِنْ رؤية البصر ، ويكونُ المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تكونَ العِلْمية ، والكثيرُ على هذا أَسْلافُهم ، فمعنى " تَرى " تَعْلَمُ أخبارَهم وقصصهم بإخبارِنا إياك ، فعلى الأول يكون قولُه " يَتَولَّون " في محلِّ نصب على الحال ، وعلى الثاني يكون في محلِّ نصبٍ على المفعول الثاني : وقولُه : { وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ } هذا الاستدراكُ واضحٌ بما تقدَّم . وقولُه : " كثيراً " هو من إقامةِ الظاهر مُقامَ المضمرِ لأنه عبارةٌ عن " كثيراً منهم " المتقدِّمِ ، فكأنه قيل : ترى كثيراً منهم ولكنَّ ذلك الكثيرَ ، ولا يريدُ : ولكنَّ كثيراً من ذلك الكثيرِ فاسقون .