اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (81)

قوله تعالى : " ولو كانوا " : الظاهرُ أنَّ اسم " كَانَ " وفاعل " اتَّخَذُوهُمْ " عائدٌ على " كَثِيراً " من قوله : { تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ } ، والضميرُ المنصوب في " اتَّخَذُوهمْ " يعودُ على " الَّذِينَ كَفَرُوا " في قوله : { يَتوَلَّوْنَ الذين كفرُوا } .

والمعنى : لوْ كانُوا يُؤمِنُون بِاللَّه ، والنَّبِيِّ ، وهو مُوسَى عليه الصلاة والسلام ، وما أُنْزِلَ إليهِ ما اتَّخَذُوا المُشْركين أوْلِيَاء ؛ لأنَّ تَحْريمَ ذلك مُتَأكدٌ في التَّوْرَاة ، وفي شَرْع مُوسَى صلى الله عليه وسلم ، فلمَّا فَعَلُوا ذلك ، ظَهَرَ أنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ تَقْرِير دين مُوسى - عليه الصلاة والسلام - بل مرادُهُمُ الرِّياسَةُ والجَاهُ ، ويسعونَ في تَحْصيلهِ بأيِّ طريقٍ قدروا عليه ، وبهذا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بالفِسْقِ ، فقالَ تعالى : { وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } .

وأجاز القفَّالُ أن يكون اسم " كَانَ " يعودُ على " الَّذِينَ كَفَروا " ، وكذلك الضميرُ المنصوبُ في " اتَّخَذُوهُمْ " ، والضميرُ المرفوعُ في " اتَّخَذُوهُمْ " يعودُ على اليهود ، والمرادُ بالنبيِّ [ محمدٌ ] صلى الله عليه وسلم والتقديرُ : ولو كان الكافرون المُتَولَّوْنَ مؤمنينَ بمحمَّدٍ والقرآنِ ، ما اتخذَهُمْ هؤلاء اليهودُ أولياءَ ، والأولُ أوْلَى ؛ لأن الحديثَ عن كثيرٍ ، لا عن المتولَّيْنَ ، وجاء جواب " لَوْ " هنا على الأفصحِ ، وهو عدمُ دخولِ اللام عليه ؛ لكونه منفيًّا ؛ ومثله قول الآخر : [ البسيط ]

لَوْ أنَّ بالعْلمِ تُعْطَى مَا تَعِيشُ به *** لَمَا ظَفِرْت مِنَ الدُّنْيَا بِثُفْرُوقِ{[12405]}

وقوله تعالى : { ولكنَّ كثيراً منهُمْ } هذا الاستدراكُ واضحٌ بما تقدَّم ، وقوله تعالى : " كَثِيراً " هو من إقامةِ الظاهرِ مقام المضمر ؛ لأنه عبارةٌ عن " كَثِيراً منهم " المتقدِّم ؛ فكأنه قيل : تَرَى كثيراً مِنْهُمْ ، ولكنَّ ذلك الكَثِيرَ ، ولا يريدُ ، ولكنَّ كثيراً من ذلك الكَثِيرِ فَاسِقُون .


[12405]:ينظر: البحر 3/550، والدر المصون 2/589.