معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

قوله عز وجل : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } أي إذا فرغ من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم ، { وابتغوا من فضل الله } يعني الرزق وهذا أمر إباحة ، كقوله : { وإذا حللتم فاصطادوا }( المائدة-2 ) قال ابن عباس : إن شئت فاخرج وإن شئت فاقعد وإن شئت فصل إلى العصر ، وقيل : فانتشروا في الأرض ليس لطلب الدنيا ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله . وقال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول : { وابتغوا من فضل الله } هو طلب العلم . { واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال في التجارة ، مظنة الغفلة عن ذكر الله ، أمر الله بالإكثار من ذكره ، فقال : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم ، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الإرض ، وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . . وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي . التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض ، من عمل وكد ونشاط وكسب . وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر . وهي ضرورة لحياة القلب لايصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى . وذكر الله لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش ، والشعور بالله فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة . ولكنه - مع هذا - لابد من فترة للذكر الخالص ، والانقطاع الكامل ، والتجرد الممحض . كما توحي هاتان الآيتان .

وكان عراك بن مالك - رضي الله عنه - إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : " اللهم إني أجبت دعوتك ، وصليت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتني . فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين " . . [ رواه ابن أبي حاتم ] . . وهذه الصورة تمثل لنا كيف كان يأخذ الأمر جدا ، في بساطة تامة ، فهو أمر للتنفيذ فور سماعه بحرفيته وبحقيقته كذلك !

ولعل هذا الإدراك الجاد الصريح البسيط هو الذي ارتقى بتلك المجموعة إلى مستواها الذي بلغت إليه ، مع كل ما كان فيها من جواذب الجاهلية . مما تصوره الآية الأخيرة في السورة :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللّهِ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فإذا قُضيت صلاة الجمعة يوم الجمعة ، فانتشروا في الأرض إن شئتم ، ذلك رخصة من الله لكم في ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن مجاهد أنه قال : هي رخصة ، يعني قوله : فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ قال : هذا إذن من الله ، فمن شاء خرج ، ومن شاء جلس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : أذن الله لهم إذا فرغوا من الصلاة ، فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ فقد أحللته لكم .

وقوله : وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ . ذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في تأويل ذلك ما :

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا عليّ بن المعافى بن يعقوب الموصليّ ، قال : حدثنا أبو عامر الصائغ من الموصل ، عن أبي خلف ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ قال : «لَيْسَ لِطَلَبِ دْنُيا ، وَلَكِنْ عِيادَةُ مَرِيضٍ ، وَحُضُورُ جَنازَةٍ ، وَزِيارَةُ أخٍ فِي اللّهِ » .

وقد يحتمل قوله : وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ أن يكون معنيا به : والتمسوا من فضل الله الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم وآخرتكم .

وقوله : وَاذْكُرُوا الله كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : واذكروا الله بالحمد له ، والشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لأداء فرائضه ، لتفلحوا ، فتدركوا طلباتكم عند ربكم ، وتصلوا إلى الخلد في جناته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

وإنما أعقب بقوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } تنبيهاً على أن لهم سعة من النهار يجعلونها للبيع ونحوه من ابتغاء أسباب المعاش فلا يأخذوا ذلك من وقت الصلاة ، وذكر الله . والأمر في { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } للإباحة .

والمراد ب { فضل الله } : اكتساب المال والرزق .

وأما قوله : { واذكروا الله كثيراً } فهو احتراس من الانصباب في أشغال الدنيا انصباباً ينسي ذكر الله ، أو يشغل عن الصلوات فإن الفلاح في الإِقبال على مرضاة الله تعالى .