{ 87 } قال تعالى { رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ْ } أي : كيف رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد ، هل معهم فقه أو عقل دلهم على ذلك ؟ أم طبع الله على قلوبهم فلا تعي الخير ، ولا يكون فيها إرادة لفعل ما فيه الخير والفلاح ؟ فهم لا يفقهون مصالحهم ، فلو فقهوا حقيقة الفقه ، لم يرضوا لأنفسهم بهذه الحال التي تحطهم عن منازل الرجال .
( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) . .
وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون . .
ولو كانوا يفقهون لأدركوا ما في الجهاد من قوة وكرامة وبقاء كريم ، وما في التخلف من ضعف ومهانة وفناء ذميم .
" إن للذل ضريبة كما أن للكرامة ضريبة . وإن ضريبة الذل لأفدح في كثير من الأحايين . وإن بعض النفوس الضعيفة ليخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق ، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال ، فتعيش عيشة تافهة رخيصة ، مفزعة قلقة ، تخاف من ظلها ، وتفرق من صداها ، يحسبون كل صيحة عليهم ، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة . . هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة . إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة . يؤدونها من نفوسهم ، ويؤدونها من أقدارهم ، ويؤدونها من سمعتهم ، ويؤدونها من اطمئنانهم ، وكثيرا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون " ومن هؤلاء . . أولئك الذين( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } .
يقول تعالى ذكره : رضي هؤلاء المنافقون الذين إذا قيل لهم : آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله ، استأذنك أهل الغنى منهم في التخلف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء الله من المشركين ، أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهنّ فرض الجهاد ، فهن قعود في منازلهنّ وبيوتهنّ . وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ يقول : وختم الله على قلوب هؤلاء المنافقين ، فهم لا يفقهون عن الله مواعظه فيتعظون بها . وقد بيّنا معنى الطبع وكيف الختم على القلوب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخوَالِفِ قال : والخوالف : هنّ النساء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخوَالِفِ يعني : النساء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبوية أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قال : النساء .
قال : حدثنا المحاربيّ ، عن جويبر ، عن الضحاك : مع الخوالف قال : مع النساء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ أي مع النساء .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قالا : النساء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قال : مع النساء .
وقوله : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } الآية ، تقريع وإظهار شنعة كما يقال على وجه التعيير رضيت يا فلان ، و { الخوالف } النساء جمع خالفة ، هذا قول جمهور المفسرين ، وقال أبو جعفر النحاس يقال للرجل الذي لا خير فيه خالفة ، فهذا جمعه بحسب اللفظ والمراد أخسة الناس وأخالفهم ، وقال النضر بن شميل في كتاب النقاش : { الخوالف } من لا خير فيه ، وقالت فرقة { الخوالف } جمع خالف فهو جار مجرى فوارس ونواكس وهوالك ، { وطبع } في هذه الآية مستعار ، ولما كان الطبع على الصوان والكتاب مانعاً منه وحفاظاً عليه شبه القلب الذي قد غشيه الكفر والضلال حتى منع الإيمان والهدى منه بالصوان المطبوع عليه ، ومن هذا استعارة القفل والكنان للقلب ، و { لا يفقهون } معناه لا يفهمون .
استئناف قصد منه التعجيب من دناءة نفوسهم وقلّة رجلتهم بأنّهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا تبعاً للنساء . وفي اختيار فعل { رضوا } إشعار بأنّ ما تلبسوا به من الحال من شأنه أن يتردّد العاقل في قبوله كما تقدّم في قوله تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } [ التوبة : 38 ] وقوله : { إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } [ التوبة : 83 ] .
والخوالف : جمع خالفة وهي المرأة التي تتخلّف في البيت بعد سفر زوجها فإن سافرت معه فهي الظعينة ، أي رضوا بالبقاء مع النساء .
والطبع تمثيل لحال قلوبهم في عدم قبول الهدى بالإناء أو الكتاب المختوم . والطبع مرادف الختم . وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : { ختم الله على قلوبهم } في سورة البقرة ( 7 ) . وأسند الطبع إلى المجهول إمّا للعلم بفاعله وهو الله ، وإمّا للإشارة إلى أنّهم خلقوا كذلك وجبلوا عليه وفرع على الطبع انعدام علمهم بالأمور التي يختصّ بعلمها أهل الأفهام ، وهو العلم المعبّر عنه بالفقه ، أي إدراك الأشياء الخفيّة ، أي فآثروا نعمة الدعة على سُمعة الشجاعة وعلى ثواب الجهاد إذ لم يدركوا إلاّ المحسوسات فلذلك لم يكونوا فاقهين وذلك أصل جميع المَضار في الداريْن .
وجيء في إسناد نفي الفقاهة عنهم بالمسند الفعلي للدلالة على تقوّي الخبر وتحقيق نسبته إلى المخبر عنهم وتمكّنه منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.