معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

قوله تعالى : { وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } ، يعنون : إلا أن ترجعوا ، أو حتى ترجعوا إلى ديننا . { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

{ 13 - 17 } { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك وعدم مللهم ، ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم فقال : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ } متوعدين لهم { لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } وهذا أبلغ ما يكون من الرد ، وليس بعد هذا فيهم مطمع ، لأنه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى بل توعدوهم بالإخراج من ديارهم ونسبوها إلى أنفسهم وزعموا أن الرسل لا حق لهم فيها ، وهذا من أعظم الظلم ، فإن الله أخرج عباده إلى الأرض ، وأمرهم بعبادته ، وسخر لهم الأرض وما عليها يستعينون بها على عبادته .

فمن استعان بذلك على عبادة الله حل له ذلك وخرج من التبعة ، ومن استعان بذلك على الكفر وأنواع المعاصي ، لم يكن ذلك خالصا له ، ولم يحل له ، فعلم أن أعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الأرض التي توعدوا الرسل بإخراجهم منها . وإن رجعنا إلى مجرد العادة فإن الرسل من جملة أهل بلادهم ، وأفراد منهم ، فلأي شيء يمنعونهم حقا لهم صريحا واضحا ؟ ! هل هذا إلا من عدم الدين والمروءة بالكلية ؟

ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال ما بقي حينئذ إلا أن يمضي الله أمره ، وينصر أولياءه ، { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } بأنواع العقوبات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

وهنا يسفر الطغيان عن وجهه . لا يجادل ولا يناقش ولايفكر ولا يتعقل ، لأنه يحس بهزيمته أمام انتصار العقيدة ، فيسفر بالقوة المادية الغليظة التي لا يملك غيرها المتجبرون :

( وقال الذين كفروا لرسلهم : لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ) !

هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية . . إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها . ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها . وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها . فالإسلام لا بد أن يبدو في صورة تجمع حركي مستقل بقيادة مستقلة وولاء مستقل ، وهذا ما لا تطيقه الجاهلية . لذلك لا يطلب الذين كفروا من رسلهم مجرد أن يكفوا عن دعوتهم ؛ ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملتهم ، وأن يندمجوا في تجمعهم الجاهلي ، وأن يذوبوا في مجتمعهم فلا يبقى لهم كيان مستقل . وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأهله ، وما يرفضه الرسل من ثم ويأبونه ، فما ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهلي مرة أخرى . .

وعندما تسفر القوة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة ، ولا يبقى مجال لحجة ؛ ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهلية . .

إن التجمع الجاهلي - بطبيعة تركيبه العضوي - لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله ، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي ، ولتوطيد جاهليته ! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي ، والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع . هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع ولحساب منهجه وتصوره . . لذلك يرفض الرسل الكرام أن يعودوا في ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها . .

وهنا تتدخل القوة الكبرى فتضرب ضربتها المدمرة القاضية التي لا تقف لها قوة البشر المهازيل ، وإن كانوا طغاة متجبرين :

( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) .

ولا بد أن ندرك أن تدخل القوة الكبرى للفصل بين الرسل وقومهم إنما يكون دائما بعد مفاصلة الرسل لقومهم . . بعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها . . وبعد أن يصروا على تميزهم بدينهم وبتجمعهم الإسلامي الخاص بقيادته الخاصة . وبعد أن يفاصلوا قومهم على أساس العقيدة فينقسم القوم الواحد إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا . . عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة ، ولتدمر على الطواغيت الذين يتهددون المؤمنين ، ولتمكن للمؤمنين في الأرض ، ولتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين . . . ولا يكون هذا التدخل أبدا والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي ، عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته ، غير منفصلين عنه ولا متميزين بتجمع حركي مستقل وقيادة إسلامية مستقلة . .

( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ) . .

نون العظمة ونون التوكيد . . كلتاهما ذات ظل وإيقاع في هذا الموقف الشديد . لنهلكن المتجبرين المهددين ، المشركين الظالمين لأنفسهم وللحق وللرسل وللناس بهذا التهديد . .

/خ27

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنّكُمْ مّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنّ فِي مِلّتِنَا فَأَوْحَىَ إِلَيْهِمْ رَبّهُمْ لَنُهْلِكَنّ الظّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } .

( شا يقول عزّ ذكره : وقال الذين كفروا بالله لرسلهم الذين أرسلوا إليهم حين دعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وفراق عبادة الاَلهة والأوثان : لَنُخْرِجَنّكُمْ مِنْ أرْضِنا يعنون : من بلادنا ، فنطردكم عنها . أوْ لَتَعُودُنّ في ملّتِنا يعنون : إلا أن تعودوا في ديننا الذي نحن عليه من عبادة الأصنام . وأدخلت في قوله : لَتَعُودُنّ لام ، وهو في معنى شرط ، كأنه جواب لليمين .

وإنما معنى الكلام : لنحرجنّكم من أرضنا أو تعودنّ في ملتنا ، ومعنى «أو » ههنا معنى «إلا » أو معنى «حتى » كما يقال في الكلام : لأضربنك أو تقرّ لي ، فمن العرب من يجعل ما بعد «أو » في مثل هذا الموضع عطفا على ما قبله ، إن كان ما قبله جزما جزموه ، وإن كان نصبا نصبوه ، وإن كان فيه لام جعلوا فيه لاما ، إذ كانت «أو » حرف نَسق . ومنهم من ينصب «ما » بعد «أو » بكل حال ، ليعلم بنصبه أنه عن الأوّل منقطع عما قبله ، كما قال امرؤ القيس :

بَكَى صَاحِبي لَمّا رأى الدّرْبَ دُونَهُ *** وأيْقَنَ أنّا لاحِقانِ بقَيْصَرَا

فَقُلْتُ لَهُ : لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّما *** نحاوِلُ مُلْكا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

فنصب «نموتَ فنعذرا » وقد رفع «نحاولُ » ، لأنه أراد معنى : إلا أن نموت ، أو حتى نموت ، ومنه قول الاَخر :

لا أسْتَطِيعُ نُزُوعا عَنْ مَوَدّتِها *** أو يَصْنَعُ الحُبّ بي غيرَ الّذِي صَنَعا

وقوله : فَأَوحَى إلَيْهِمْ رَبّهُمْ لَنُهْلِكَنّ الظّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم ، فأوجبوا لها عقاب الله بكُفرهم وقد يجوز أن يكون قيل لهم : الظالمون لعبادتهم ، مَنْ لا تجوز عبادته من الأوثان والاَلهة ، فيكون بوضعهم العبادة في غير موضعها إذ كان ظلما سُموا بذلك ظالمين .