معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

قوله تعالى : { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا } لا مرية ولا ريب في إيمانهم ، قيل : حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد ، وبذل المال في الدين .

قوله تعالى : { لهم مغفرة ورزق كريم } في الجنة . فإن قيل : أي معنى في تكرار هذه الآية ؟ قيل : المهاجرون كانوا على طبقات : فكان بعضهم أهل الهجرة الأولى ، وهم الذين هاجروا قبل الحديبية ، وبعضهم أهل الهجرة الثانية ، وهم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة ، وكان بعضهم ذا هجرتين هجرة الحبشة والهجرة إلى المدينة ، فالمراد من الآية الأولى الهجرة الأولى ، ومن الثانية الهجرة الثانية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

{ 74 - 75 ْ } { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ْ }

الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار . وهذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم ، فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ ْ } أي : المؤمنون من المهاجرين والأنصار { هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ْ } لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض ، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين .

{ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ْ } من اللّه تمحى بها سيئاتهم ، وتضمحل بها زلاتهم ، { و ْ } لهم { رِزْقٌ كَرِيمٌ ْ } أي : خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم . وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به أعينهم ، وتطمئن به قلوبهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَواْ وّنَصَرُوَاْ أُولََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لّهُمْ مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : وَالّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ والّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم ونصروا دين الله ، أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقّا ، لا من آمن ولم يهاجر دار الشرك وأقام بين أظهر أهل الشرك ولم يغز مع المسلمين عدوّهم . لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول : لهم ستر من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنها ، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يقول : لهم في الجنة طعم ومشرب هنيّ كريم ، لا يتغير في أجوافهم فيصير نَجْوا ، ولكنه يصير رشحا كرشح المسك . وهذه الاَية تنبىء عن صحة ما قلنا أن معنى قول الله : بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ في هذه الاَية ، وقوله : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إنما هو النصرة والمعونة دون الميراث لأنه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده دون من لم يهاجر بقوله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ والّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا . . . الاَية ، ولو كان مرادا بالاَيات قبل ذلك الدلالة على حكم ميراثهم لم يكن عقيب ذلك إلا الحثّ على مضيّ الميراث على ما أمر ، وفي صحة ذلك كذلك الدليل الواضح على أن لا ناسخ في هذه الاَيات لشيء ولا منسوخ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

{ والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا } لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة وبذل المال ونصرة الحق ، ووعد لهم الموعد الكريم فقال : { لهم مغفرة ورزق كريم } لا تبعة له ولا منة فيه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

الأظهر أنّ هذه جملة معترضة بين جملة { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 73 ] ، وجملة { والذين آمنوا من بعد وهاجروا } [ الأنفال : 75 ] الآية ، والواو اعتراضية للتنويه بالمهاجرين والأنصار ، وبيان جزائهم وثوابهم ، بعد بيان أحكام ولاية بعضهم لبعض بقوله : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } إلى قوله : { أولئك بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 72 ] فليست هذه تكريراً للأولى ، وإن تشابهت ألفاظها : فالأولى لبيان ولاية بعضهم لبعض ، وهذه واردة للثناء عليهم والشهادة لهم بصدق الإيمان مع وعدهم بالجزاء .

وجيء باسم الإشارة في قوله : { أولئك هم المؤمنون } لمثل الغرض الذي جيء به لأجله في قوله : { أولئك بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 72 ] كما تقدّم .

وهذه الصيغة صيغة قصر ، أي قصر الإيمان عليهم دون غيرهم ممّن لم يهاجروا ، والقصر هنا مقيّد بالحال في قوله : { حَقّاً } . فقوله : { حقّا } حال من { المؤمنون } وهو مصدر جعل من صفتهم ، فالمعنى : أنّهم حاقّون ، أي محقّقون لإيمانهم بأن عضّدوه بالهجرة من دار الكفر ، وليس الحقّ هنا بمعنى المقابل للباطل ، حتّى يكون إيمان غيرهم ممّن لم يهاجروا باطلاً ، لأنّ قرينة قوله : { والذين آمنوا ولم يهاجروا } [ الأنفال : 72 ] مانعة من ذلك ، إذ قد أثبت لهم الإيمان ، ونفى عنهم استحقاق ولاية المؤمنين .

والرزق الكريم هو الذي لا يخالط النفع به ضرّ ولا نكد ، فهو نفع محض لا كدر فيه .