نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

ولما تقدمت أنواع المؤمنين : المهاجر والناصر والقاعد ، وذكر أحكام موالاتهم{[35462]} ، أخذ يبين تفاوتهم في الفضل فقال : { والذين آمنوا } أي بالله وما أتى{[35463]} منه { وهاجروا } أي فيه من يعاديه سابقين مع نبيه صلى الله عليه وسلم { وجاهدوا } أي بما تقدم من المال والنفس أو بأحدهما { في سبيل الله } أي الذي له صفات الكمال فبذلوا الجهد في إذلالهم كما بذل الأعداء الجهد في إذلالهم ، ولم يذكر آلة الجهاد لأنها - مع تقدم ذكرها لازمة { والذين آووا } أي من هاجر إليهم { ونصروا } أي حزب الله ، وأعلم بقوله : { أولئك } أي الصنفين الأولين خاصة { هم المؤمنون حقاً } أي حق الإيمان ، لأنهم حققوا إيمانهم : المهاجر بالانسلاخ من كل ما يحبه من الأمور الدنيوية ، والناصر من جميع أهل الكفر بإيواء أهل الله ونصرتهم .

ولما بين وصفهم ، بين ما حباهم{[35464]} به بقوله دالاً على أن الإنسان محل النقصان ، فهو - وإن اجتهد حتى كان من القسم الأعلى - لا ينفك عن مواقعة ما يحتاج فيه إلى الغفران : { لهم مغفرة } أي لزلاتهم وهفواتهم ، لأن مبنى الآدمي على العجز اللازم عنه التقصير وإن اجتهد ، والدين متين فلن يشاده أحد إلا غلبه ؛ ولما ذكر تطهيرهم بالمغفرة ، ذكر تزكيتهم بالرحمة فقال : { ورزق } أي من الغنائم وغيرها في الدنيا والآخرة { كريم* } أي لا كدر فيه بوجه{[35465]} ، لا في قطعه ولا في نقصانه ولا في شيء من شأنه .


[35462]:في ظ: مولا تهم.
[35463]:في ظ: أوتى.
[35464]:من ظ، وفي الأصل: حبهم.
[35465]:زيد من ظ.