{ كُتِبَ عَلَيْهِ } أي : قدر على هذا الشيطان المريد { أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } أي : اتبعه { فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ } عن الحق ، ويجنبه الصراط المستقيم { وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } وهذا نائب إبليس حقا ، فإن الله قال عنه { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } فهذا الذي يجادل في الله ، قد جمع بين ضلاله بنفسه ، وتصديه إلى إضلال الناس ، وهو متبع ، ومقلد لكل شيطان مريد ، ظلمات بعضها فوق بعض ، ويدخل في هذا ، جمهور أهل الكفر والبدع ، فإن أكثرهم مقلدة ، يجادلون بغير علم .
ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة هذا المجادل بالباطل ، والمتبع لكل شيطان مريد ، فقال : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير } .
أى : كتب على هذا الشيطان ، وقضى عليه " أنه من تولاه " أى اتخذه وليا وقدوة له " فأنه يضله " أى : فشأن هذا الشيطان أن يضل تابعه عن كل خير " ويهديه إلى عذاب السعير " أى : وأن شأن هذا الشيطان - أيضا - أن يهدى متبعه إلى طريق النار المستعرة ، وفى التعبير بقوله : { وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير } تهكم بمن يتبع هذا الشيطان ، إذ سمى - سبحانه - قيادة الشيطان لأتباعه هداية .
وقد ذكر كثير من المفسرين أن هاتين الآيتين نزلتا فى شأن النضر بن الحارث أو العاص بن وائل ، أو أبى جهل .
. . وكانوا يجادلون النبى - صلى الله عليه وسلم - بالباطل .
ومن المعروف أن نزول هاتين الآيتين فى شأن هؤلاء الأشخاص ، لا يمنع من عمومهما فى شأن كل من كان على شاكلة هؤلاء الأشقياء ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ولذا قال صاحب الكشاف : " وهى عامة فى كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على الله وما لا يجوز ، من الصفات والأفعال . ولا يرجع إلى علم . ولا يعض فيه بضرس قاطع ، وليس فيه اتباع البرهان ، ولا نزول على النصفة ، فهو يخبط خبط عشواء ، غير فارق بين الحق والباطل " .
والضمير في { عليه } عائد على الشيطان قاله قتادة ويحتمل أن يعود على المجادل و { أنه } في موضع رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله و { أنه } الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها وقيل هي مكررة للتأكيد فقط وهذا معترض بأن الشيء لا يؤكد إلا بعد تمامه وتمام «أن » الأولى إنما هو بصلتها في قوله { السعير } وكذلك لا يعطف ولسيبويه في مثل هذا { أنه } بدل ، وقيل { أنه } خبر ابتداء محذوف تقديره فشأنه أنه يضله وقدره أبو علي فله أن يضله .
قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن الضمير في { أنه } الأولى للشيطان وفي الثانية لمن الذي هو المتولي ، وقوله { يهديه } بمعنى يدله على طريق ذلك وليست بمعنى الإرشاد على الإطلاق ، وقرأ أبو عمرو «إنه من تولاه فإنه يضله » بالكسر فيهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.