البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كُتِبَ عَلَيۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ يُضِلُّهُۥ وَيَهۡدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (4)

والظاهر أن الضمير في { عليه } عائد على { من } لأنه المحدث عنه ، وفي { أنه } و { تولاه } وفي { فإنه } عائد عليه أيضاً ، والفاعل يتولى ضمير { من } وكذلك الهاء في { يضله } ويجوز أن تكون الهاء في هذا الوجه أنه ضمير الشأن ، والمعنى أن هذا المجادل لكثرة جداله بالباطل واتباعه الشيطان صار إماماً في الضلال لمن يتولاه ، فشأنه أن يضل من يتولاه .

وقيل : الضمير في { عليه } عائد على { كل شيطان مريد } قاله قتادة ولم يذكر الزمخشري غيره ، وأورد ابن عطية القول الأول احتمالاً .

وقال ابن عطية : ويظهر لي أن الضمير في { أنه } الأولى للشيطان والثانية لمن الذي هو للمتولي .

قال الزمخشري : والكتبة عليه مثل أي إنما { كتب } إضلال من يتولاه { عليه } ورقم به لظهور ذلك في حاله .

وقرأ الجمهور { كُتِبَ } مبنياً للمفعول .

وقرىء { كَتَبَ } مبنياً للفاعل أي كتب الله .

وقرأ الجمهور : { أنه } بفتح الهمزة في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله ، { فأنه } بفتحها أيضاً ، والفاء جواب { من } الشرطية أو الداخلة في خبر { من } إن كانت موصولة .

و { فأنه } على تقدير فشأنه أنه { يضله } أي إضلاله أو فله أن يضله .

وقال الزمخشري : فمن فتح فلأن الأول فاعل { كتب } يعني به مفعولاً لم يسم فاعله ، قال : والثاني عطف عليه انتهى .

وهذا لا يجوز لأنك إذا جعلت { فأنه } عطفاً على { أنه } بقيت بلا استيفاء خبر لأن { من تولاه } { من } فيه مبتدأة ، فإن قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى يستقل خبراً لأنه وإن جعلتها شرطية فلا جواب لها إذ جعلت { فأنه } عطفاً على { أنه } ومثل قول الزمخشري قال ابن عطية قال { وأنه } في موضع رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأنه الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها ، وخطا خطأ لما بيناه .

وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمر و { إنه } { فإنه } بكسر الهمزتين .

وقال ابن عطية : وقرأ أبو عمرو { إنه من تولاه فإنه يضله } بالكسر فيهما انتهى ، وليس مشهوراً عن أبي عمرو .

والظاهر أن ذلك من إسناد { كتب } إلى الجملة إسناداً لفظياً أي { كتب } عليه هذا الكلام كما تقول : كتب أن الله يأمر بالعدل .

وقال الزمخشري : أو عن تقدير قبل أو على المفعول الذي لم يسم فاعله الكتب ، والجملة من { أنه من تولاه } في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله لقيل المقدرة ، وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الفاعل عندهم لا يكون جملة فلا يكون ذلك مفعولاً لم يسم فاعله ، وأما الثاني فلا يجوز أيضاً على مذهب البصريين لأنه لا تكسر أن بعد ما هو بمعنى القول ، بل بعد القول صريحة ، ومعنى { ويهديه } ويسوقه وعبر بلفظ الهداية على سبيل التهكم .