الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كُتِبَ عَلَيۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ يُضِلُّهُۥ وَيَهۡدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ} (4)

وقوله سبحانه : { وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } [ الحج : 3 ] .

قال ابن جريج : هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث وأبَيِّ بنِ خَلَفٍ ، وقيل في أبي جهل بن هشام ، ثم هي بعدُ تتناول كل مَن اتصف بهَذِهِ الصفة ، ومجادلتهم في أنَّ اللّه تعالى لا يبعثَ مَنْ يموتُ ، والشيطان هنا هو مغويهم من الجن ، ويحتمل من الأنس ، والمريد : المُتَجَرِّدُ من الخير للشَّرِّ ، ومنه الأمرد ، وشجرة مرداء ، أي : عارية من الورق ، وصَرْحٌ مُمَرَّدٌ ، أي : مملس ، والضمير في : { عَلَيْهِ } [ الحج : 4 ] .

عائد على الشيطان ، قاله قتادة ، ويحتمل أَنْ يعودَ على المجادِل ، وأنه في موضع رفع على المفعول الذي لم يُسَمَّ فاعِلُه ، و«أَنَّه » الثانية عطف على الأُولَى مؤكدة مثلها ، وقيل : هي مُكَرَّرَةٌ للتأكيد فقط ، وهذا مُعْتَرَضٌ بأَنَّ الشيء لا يؤَكَّد إلاَّ بعد تمامه ، وتمامٌ «أَنَّ » الأولى إنما هو بصلتها في قوله : { السعير } وكذلك لا يُعْطَفُ عليه ، ولسيبويه في مثل هذا : أنه بدل ، وقيل : «إنه » الثانية خبر مبتدأ محذوف تقديره : فشأنه أَنه يضلّهُ .

قال ( ع ) : ويظهر لي أَنَّ الضميرَ في { أَنَّهُ } الأولى للشيطان ، وفي الثانية لمن الذي هو المتولى ، وقرأ أبو عمرو : «فإِنَّه » بالكسر فيهما .