قوله تعالى : { قل } ، يا محمد لهؤلاء المكذبين المستهزئين .
قوله تعالى : { سيروا في الأرض } ، معتبرين ، يحتمل هذا : السير بالعقول والفكر ، ويحتمل السير بالأقدام .
قوله تعالى : { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } ، أي : جزاء أمرهم ، وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك ، فحذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية .
فإن شككتم في ذلك ، أو ارتبتم ، فسيروا في الأرض ، ثم انظروا ، كيف كان عاقبة المكذبين ، فلن تجدوا إلا قوما مهلكين ، وأمما في المثلات تالفين ، قد أوحشت منهم المنازل ، وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل ، أبادهم الملك الجبار ، وكان بناؤهم عبرة لأولي الأبصار . وهذا السير المأمور به ، سير القلوب والأبدان ، الذي يتولد منه الاعتبار . وأما مجرد النظر من غير اعتبار ، فإن ذلك لا يفيد شيئا .
ثم أمر القرآن النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بحال من سبقوهم عن طريق التطلع إلى آثارهم ، والتدبر فيما أصابهم ، والاتعاظ بما حل بهم فقال - تعال - :
{ قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } .
أى : قل - يا محمد - لأولئك المكذبين لك ، المستهزئين بدعوتك ، لا تغتروا بما أنتم فيه من قوة وجاه ، فإن ذلك لا دوام له ، وسيروا فى فجاج الأرض متدبرين متأملين ، فسترون بأعينكم آثار أقوام كانوا أشد منكم قوة وأكثر جمعا ، ولكن ذلك لم يمنع وقوع العذاب بهم حين بدلوا نعمة الله كفرا ، وحاربوا رسل الله والدعاة إلى دينه .
وقد ذكر القرآن الكريم فى سور متعددة أن آثار أولئك الأقوام المهلكين ، ما زال بعضها باقيا ، وإنها لتدعو العقلاء إلى الاتعاظ والاعتبار فقال - تعالى - : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } وقال - تعالى - فى شأن قوم لوط : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } وقد أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطلب منهم السير فى الأرض للتفكر والتدبر ، لأنهم كانوا يستهزئون به صلى الله عليه وسلم فكانت المخاطبة منه لهم من قبيل النصيحة والتحذير .
وليس المراد مجرد النظر فى قوله ( فانظروا ) وبين قوله { ثُمَّ انظروا } ؟ قلت : جعل النظر مسببا عن السير فى قوله ( فانظروا ) فكأنه قيل : سيروا لأجل النظر ، ولا تسيروا سير الغافلين . وأما قوله { سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا } فمعناه إباحة السير فى الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر فى آثار الهالكين ، ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح .
وقد علق الشيخ ابن المنير على عبارة صاحب الكشاف فقال : " وأظهر من هذا التأويل أن يجعل الأمر بالسير فى المكانين واحداً ، ليكون ذلك سببا فى النظر ، فحيث دخلت الفاء فلإظهار السببية ، وحيث دخلت ثم فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير وأن السير وسيلة إليه لا غير وشتان بين المقصود والوسيلة " .
والذى نرجحه أن التعبير بثم هنا المفيدة للتراخى للإشارة إلى أن السير الذى هو وسيلة للتفكر مطلوب فى ذاته كما أن النظر الذى يصحبه التفكر والاعتبار مطلوب أيضاً ، وكأنه أمر بدهى نتيجة للسير ، أما التعبير بالفاء فى قوله " فانظروا " فلإبراز كون النظر مسببا عن السير ، ومترتبا عليه ، وكلا الأسلوبين مناسب للمقام الذى سيق من أجله ، ومتناسق مع البلاغة القرآنية .
ثم قال : { قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } أي : فكروا في أنفسكم ، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله{[10581]} وعاندوهم ، من العذاب والنكال ، والعقوبة في الدنيا ، مع ما ادَّخَر لهم من العذاب الأليم في الآخرة ، وكيف نَجَّى رسله وعباده المؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.