قوله تعالى : { قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ } كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى{[13303]} ، حَذَّرَ القوم في هذه الآية ، وقال لرسوله : قل لهم : لا تغتروا بما وَصَلْتُمْ إليه من الدنيا ولذَّاتها ، بل سيروا في الأرض لتعرفُوا صحة ما أخبركم الرسولُ عنه من نزول العذاب بمن كذب الرسل من الأمم السَّالفة قبلكم . يحذر كفار " مكّة " ، ويحتمل هذا السير أنْ يكون بالعقول والفِكَرِ ، ويحتمل السَّيْرَ في الأرضِ .
قوله : " ثُمَّ انْظُرُوا " : عطف على " سِيرُوا " ولم يجئ في القرآن العطف{[13304]} في مثل هذا الموضوع إلاَّ بالفاء ، وهنا جاء ب " ثم " فيحتاج إلى فَرْقٍ .
فذكر{[13305]} الزمخشري الفرق وهو : أنْ جَعَل النَّظَرَ مُسَبَّباً عن السَّيْرِ في قوله : " فانْظُرُوا " كأنه{[13306]} قيل : سِيُروا لأجْلِ النظرِ ، ولا تسيروا سَيْرَ الغافلين .
وهنا معناه إبَاحَةُ السَيَّرِ في الأرض للتجارة وغيرها من المَنَافِع ، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ، ونبَّه على ذلك ب " ثمَّ " لِتَبَاعُدِ ما بين الواجب والمباح{[13307]} .
قال أبو حيَّان{[13308]} - رضي الله عنه - : وما ذكر أوَّلاً مُتَنَاقض ؛ لأنه جعل النظر مُتَسَبِّباً عن السَّيْرِ ، فكان السَّيْرُ سبباً للنَّظَرِ ، ثم قال : فكأنه قيل : سيروا لأجْلِ النَّظَرِ ، فجعل السَّيْرَ مَعْلُولاً بالنَّظَرِ ، والنَّظَرِ سَبَبٌ له فَتَنَاقَضَا ، ودعوى أن " الفاء " سببيةٌ دعوى لا دَلِيلَ عليها ، وإنَّما مَعْنَاها التَّعْقِيبُ فقط ، وأمَّا " زَنَى ماعِز فَرُجم " فَفَهْمُ السببية من قَرِينَةٍ غيرها .
قال : " وعلى تقدير [ تَسْلِيم ]{[13309]} إفادتها السَّبَبَ ، فَلِمَ كان السيرُ هنا سَيْرَ إباحةٍ ، وفي غيره سَيْرَ إيجاب ؟ " .
وهذا اعتراض صحيح إلاَّ قوله : " إنَّ " الفاء " لا تفيد السَّبَبِيَّةَ " {[13310]} فإنه غيرُ{[13311]} مُرْضٍ ، [ ودليله في غير هذا الموضع ]{[13312]} ومثلُ هذا المكان في كون الزَّمَخْشَرِيّ جعل شيئاً عِلَّةً ، ثم جعله مَعْلولاً{[13313]} ، كما{[13314]} سيأتي إن شاء الله -تعالى- في أوَّلِ " الفتح " ، ويأتي هناك جوابه .
قوله : " كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ " كَيْفَ " خبرٌ مقدَّمٌ ، و " عاقبة " اسمها ، ولم يُؤنَّثْ فعلْها ؛ لأنَّ تأنيثها غير حقيقي ؛ ولأنها بتأويل المآلِ والمُنْتَهَى ، فإنَّ العاقبة مَصْدَرٌ على وزن " فاعلة " وهو محفوظ في ألْفَاظ تقدَّمَ ذِكْرُها وهي منتهى الشيء وما يَصيرُ إليه .
والعاقبةُ إذا أطْلِقَتْ اختصت بالثواب قال تعالى : { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف :128 ] وبالإضافة قد تستعمل في العُقُوبةِ كقوله تبارك وتعالى : { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ السُّوأى }
[ الروم :10 ] ، { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا }
[ الحشر :17 ] فَصَحَّ أن تكون اسْتِعَارةً من ضدِّهِ كقوله تعالى :
{ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران :21 ] .
و " كَيْفَ " مُعَلِّقة للنظر ، فهي في مَحَلِّ نصبٍ على إسْقَاط الخافض ، لأنَّ معناه هنا التَّفَكُّرُ والتدبُّرُ . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.