محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (11)

ثم أمر تعالى أن يصدعهم بالتجول في الأرض إن ارتابوا فيما تواتر ، أو تعاموا عما رأوا ، بقوله :

[ 11 ] { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 11 ) } .

{ قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } أي : سيروا في الأرض لتعرف أحوال أولئك الأمم ، وتفكروا في أنهم كيف أهلكوا لما كذبوا الرسل وعاندوا ، فتعرفوا صحة ما توعظون به . وفي السير في الأرض ، والسفر في البلاد ، ومشاهدة تلك الآثار الخاوية على عروشها- تكملة للاعتبار ، وتقوية للاستبصار . أي : فلا تغتروا بما أنتم عليه من التمتع بلذات الدنيا وشهواتها .

وفي هذه الآية تكملة للتسلية ، بما في ضمنها من العدة اللطيفة ، بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم المكذبين . وقد أنجز ذلك يوم بدر أي إنجاز .

/ لطيفة :

وقع هنا { ثم انظروا } . وفي النمل{[3365]} : { قل سيروا في الأرض فانظروا } . وكذا في العنكبوت{[3366]} . فتكلف بعضهم لتخصيص ما هنا ب ( ثم ) ، كما هو مبسوط في ( العناية ) ، مع ما عليه . ونقل عن بعضهم أن السير متحد فيهما ، ولكنه أمر ممتد ، يعطف بالفاء تارة ، نظرا لآخره ، وب ( ثم ) نظرا لأوله ، ولا فرق بينهما .

وفي ( الانتصاف ) : الأظهر أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحدا ، ليكون ذلك سببا في النظر ، فحيث دخلت الفاء ، فلإظهار السببية . وحيث دخلت ( ثم ) ، فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير ، وأن السير وسيلة إليه لا غير . وشتان بين المقصود والوسيلة- والله أعلم- .


[3365]:- [27/ النمل/ 69] {... كيف كان عاقبة المجرمين (69)}.
[3366]:- [ 29/ العنكبوت/ 20] {... كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير (20)}.