إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (11)

{ قُلْ سِيرُوا في الأرض } بعد بيانِ ما فعلت الأممُ الخالية وما فُعل بهم خوطب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه ، وتذكيرِهم بأحوالهم الفظيعة تحذيراً لهم عما هم عليه ، وتكملةً للتسلية بما في ضِمْنه من العِدَة اللطيفة بأنه سيَحيقُ بهم مثلُ ما حاق بأضرابهم الأولين ، ولقد أنجَز ذلك يومَ بدرٍ أيَّ إنجازٍ ، أي سيروا في الأرض لتعرِفوا أحوال أولئك الأمم { ثُمَّ انظروا } أي تفكروا { كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين } وكلمة ( ثم ) إما لأن النظر في آثار الهالكين لا يتسنّى إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم ، وإما لإبانة ما بينهما من التفاوت في مراتب الوجوب وهو الأظهر ، فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلةً إلى النظر كما يفصح عنه العطف بالفاء في قوله عز وجل : { فانظروا } [ سورة آل عمران : الآية 137 ] الآية ، وإما أن الأمر الأول لإباحة السير للتجارة ونحوها ، والثاني لإيجاب النظر في آثارهم ، و( ثم ) لتُباعِدَ ما بين الواجب والمباح فلا يناسب المقام ، و( كيف ) معلِّقةٌ لفعل النظر ، ومحلُ الجملة النصبُ بنزع الخافض أي تفكروا في أنهم كيف أُهلكوا بعذاب الاستئصال ، والعاقبة مصدرٌ كالعافية ونظائرِها ، وهي منتهى الأمرِ ومآلُه ، ووضعُ المكذبين موضعَ المستهزئين لتحقيق أن مدارَ إصابةِ ما أصابهم هو التكذيبُ لينزجِرَ السامعون عنه لا عن الاستهزاء فقط ، مع بقاء التكذيب بحاله بناءً على توهُّم أنه المدار في ذلك .