قوله عز وجل : { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : الذي ليس له في الغنيمة سهم ، ولا يجرى عليه من الفيء شيء ، هذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب قال : المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم ، ومعناه في اللغة : الذي منع الخير والعطاء . وقال قتادة والزهري : المحروم المتعفف الذي لا يسأل . وقال زيد بن أسلم : هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . وهو قول محمد بن كعب القرظي ، قال : المحروم صاخب الحاجة ، ثم قرأ : { إنا لمغرمون * بل نحن محرومون }( الواقعة-67 ) .
ثم مدحهم - سبحانه - للمرة الثالثة فقال : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم } .
والسائل : هو من يسأل غيره العون والمساعدة . والمحروم : هو المتعفف عن السؤال مع أنه لا مال له لحرمان أصابه ، بسبب مصيبة نزلت به ، أو فقر كان فيه . . . أو ما يشبه ذلك .
قال ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى المراد من المحروم هنا . والصواب من القول فى ذلك عندى : أنه الذى قد حرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره فصار ممن حرمه الله .
وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة . وقد يكون بأنه لا سهم له فى الغنيمة لغيبته عن الواقعة .
أى : أنهم بجانب قيامهم الليل طاعة لله - تعالى - واستغفارا لذنوبهم . . . يوجبون على أنفسهم فى أموالهم حقا للسائل والمحروم ، تقربا إلى الله - سبحانه - بمقتضى ما جبلوا عليه من كرم وسخاء .
فالمراد بالحق هنا : ما يقدمونه من أموال للمحتاجين على سبيل التطوع وليس المراد به الزكاة المفروضة ، لأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت فى السنة الثانية من الهجرة .
قال الآلوسى : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ } هو غير الزكاة كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما .
وقال منذر بن سعيد : هذا الحق هو الزكاة المفروضة ، وتعقب بأن السورة مكية . وفرض الزكاة بالمدينة . وقيل : أصل فريضة الزكاة كان بمكة والذى كان بالمدينة القدر المعروف اليوم . . . . والجمهور على الأول .
والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يرى أن هؤلاء المتقين ، قد مدحهم الله - تعالى - هذا المدح العظيم ، لأنهم عرفوا حق الله عليهم فأدوه بإحسان وإخلاص ، وعرفوا حق الناس عليهم فقدموه بكرم وسخاء .
وهذه حالهم مع ربهم ، فأما حالهم مع الناس ، وحالهم مع المال ، فهو مما يليق بالمحسنين :
( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . .
فهم يجعلون نصيب السائل الذي يسأل فيعطى ، ونصيب المحروم الذي يسكت ويستحيي فيحرم . يجعلون نصيب هذا وهذا حقا مفروضا في أموالهم . وهم متطوعون بفرض هذا الحق غير المحدود .
وهذه الإشارة تتناسق مع علاج السورة لموضوع الرزق والمال ، لتخليص القلب من أوهاق الشح وأثقال البخل وعوائق الانشغال بالرزق . وتمهد للمقطع التالي في السورة ، في الوقت الذي تكمل سمة المتقين وصورة المحسنين .
حق السائل والمحروم : هو النصيب الذي يعطُونه إياهما ، أطلق عليه لفظ الحق ، إمّا لأن الله أوجب على المسلمين الصدقة بما تيسَّر قبل أن يفرض عليهم الزكاة فإن الزكاة فرضت بعد الهجرة فصارت الصدقة حقا للسائل والمحروم ، أو لأنهم ألزموا ذلك أنفسهم حتى صار كالحق للسائل والمحروم . وبذلك يتأوَّل قول من قال : إن هذا الحق هو الزكاة .
والسائل : الفقير المظهر فقره فهو يسأل الناس ، والمحروم : الفقير الذي لا يُعطَى الصدقة لظن الناس أنه غير محتاج من تعففه عن إظهار الفقر ، وهو الصنف الذي قال الله تعالى في شأنهم { يحسبهم الجاهلُ أغنياء من التعفّف } [ البقرة : 273 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم « ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافاً » . وإطلاق اسم المحروم ليس حقيقة لأنه لم يَسأل الناس ويحرموه ولكن لما كان مآل أمره إلى ما يؤول إليه أمر المحروم أطلق عليه لفظ المحروم تشبيهاً به في أنه لا تصل إليه ممكنات الرزق بعد قربها منه فكأنه ناله حرمان .
والمقصود من هذه الاستعارة ترقيق النفوس عليه وحثّ الناس على البحث عنه ليضعوا صدقاتهم في موضع يحب الله وضعها فيه ونظيرها في سورة المعارج . قال ابن عطية : واختلف الناس في { المحروم } اختلافاً هو عندي تخليط من المتأخرين إذ المعنى واحد عبر علماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً . قلت ذكر القرطبي أحد عشر قولاً كلها أمثلة لمعنى الحرمان ، وهي متفاوتة في القرب من سياق الآية فما صلح منها لأن يكون مثالاً للغرض قُبل وما لم يصلح فهو مردود ، مثل تفسير من فسر المحروم بالكلب . وفي « تفسير ابن عطية » عن الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم . وزاد القرطبي في رواية عن الشعبي قال : لي اليوم سبعون سنة منذ احتملت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.