اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

قوله : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ والمحروم } لمّا تقدم التعظيم لأم الله ثَنَّى بالشفقة على خلق الله ، وأضاف الأموال إليهم ، لأنه مدح لهم ، وقال في موضع آخر { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [ الحديد : 7 ] ؛ لأن ذلك تحريض وحث على النفقة وذلك يناسبه .

فإن قيل : كون الحق في المال لا يوجب مدحاً ؛ لأن كون المسلم في ماله حقّ وهو الزكاة ليس صفة مدح ، لأن كل مسلم كذلك بل الكافر إذا قلنا : إنه مخاطب بفروع الإسلام في ماله حق معلوم ، غير أنه إذا أَسْلَمَ سقط عنه ، وإن مات عُوقِبَ على ما تركه الأداء . وإن أَدَّى من غير إسلام لا يقع الموقع فكيف يفهم كونه مدحاً ؟

فالجواب : أنا نفسر السائل بمن يطلب جزءاً من{[52768]} المَال وهو الزكاة والمَحْرُومُ من لا يطلب جزءاً معيّناً وهو طالب صدقة التطوع كأنه قال : في ماله زكاةٌ وصَدَقَةٌ .

أو يقالُ : بأن «في » للظرفية ، والمعنى أَنّهم لاَ يجمعون المال ولا يجعلونه ظرفاً للحُقُوق ، والمطلوب من الظرف والمظروف إنما هو المظروف وهذا مدح عظيم .

فإن قيل : لَو قيل : مالهم للسائل كان أبلغ !

فالجواب : لا نسلم ، فإن صرف جميع المال حتى يبقى فقيراً محتاجاً منهيٌّ عنه ، وكذلك الصلاة والصوم الاقتصاد فيهما أبلغ لقوله : - عليه الصلاة والسلام - : «إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ ، فَادْخُلُوا{[52769]} فِيهِ بِرفقٍ ؛ فَإنَّ المُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى »{[52770]} .

فصل

في السائل والمحروم وجوه :

أحدها : أن السائل هو الآدمي ، والمحروم كل ذي روح غيره من الحيوانات المحترمة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : «فِي كُلّ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ » وهذا ترتيب حسن ؛ لأن الآدمي يُقدَّمُ على البهائم .

الثاني : أن السائل هو الذي يَسْأَل ، والمَحْرُوم هو المتعفّف يظن أنه غنيٌّ فيُحْرَمُ . وقدَّمَ السائلَ ؛ لأن حاله يعرف بسؤاله ، أو يكون إشارة إلى كثرة العَطَاء فيعطي السؤال ، فإذا لم يجدهم يسأل عن المحتاجين فيكون سائلاً ومسؤولاً .

الثالث : قدم السائل ؛ لتجانس رُؤُوس الآي{[52771]} .

فصل

قال ابنُ عباس وسعيدُ بن المُسيّب : السّائل الذي يسأل الناس ، والمحروم الذي ليس له في الغنائم سهمٌ ولا يُجْرَى عليه من الفَيء شَيءٌ . وقال قتادة والزُّهْري : المحروم المتعفّف الذي لا يسأل . وقال زيد بن أسلم : هو المصاب ثمره أو زرعه أو تشَلُّ ماشيتُه ، وهو قول مُحَمّد بن كَعْب القُرَظيِّ . قال : المحروم صاحب الحاجة ، ثم قرأ : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ الواقعة : 66 - 67 ] .


[52768]:كذلك في الأصل وفي ب: عن تطلب وفي الرازي: بمن يطلب شرعا.
[52769]:عبارة الرازي: فأوغل فيه.
[52770]:بالمعنى من تفسير الإمام 28/206 و205.
[52771]:بالمعنى قليلا من المرجع السابق.