فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال :

{ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } أي يجعلون في أموالهم ويوجبون على أنفسهم ، حقا للسائل والمحروم ، تقربا إلى الله عز وجل بمقتضى الكرم يصلون بها الأرحام والفقراء والمساكين ، وقال محمد بن سيرين وقتادة : الحق هنا الزكاة المفروضة والأول أولى ، فتحمل على صدقة النفل وصلة الرحم وقرى الضيف لأن السورة مكية والزكاة لم تفرض إلا بالمدينة وسيأتي في سورة { سأل سائل } { وفي أموالهم حق معلوم ، للسائل والمحروم } بزيادة معلوم والسائل هو الذي يسأل الناس لفاقته ، واختلف في تفسير المحروم فقيل هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنيا ، فلا يتصدقون عليه ، وبه قال قتادة والزهري ، وقال الحسن ومحمد بن الحنفية : هو الذي لا سهم له في الغنيمة ، ولا يجري عليه من الفيء شيء ، وقال زيد بن أسلم : هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو ماشيته .

وقال القرظي : هو الذي أصيب بجائحة ، وقيل : الذي لا يتكسب ، وقيل : هو الذي لا يجد غني يغنيه ، وقيل : هو المملوك ، وقيل : الكلب ، وقيل غير ذلك ، قال الشعبي : لي اليوم سبعون سنة منذ احتملت أسأل عن المحروم ، فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ ، والذي ينبغي التعويل عليه ما يدل عليه المعنى اللغوي . والمحروم في اللغة الممنوع من الحرمان وهو المنع ، فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته ، ومن حرم العطاء ، ومن حرم الصدقة لتعففه ، وأظهر هذه الأقوال أنه المتعفف لأنه قرنه بالسائل ، والمتعفف لا يسأل ، ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ، وإنما يفطن له متيقظ ، قال ابن عباس : في أموالهم حق سوى الزكاة ، يصل بها رحما ويقري بها ضيفا ، أو يعين بها محروما ، وعنه قال : السائل الذي يسأل الناس ، والمحروم الذي ليس له سهم في المسلمين ، وعنه قال :

المحروم هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، ولا يسأل الناس ، فأمر الله المؤمنين برفده .

وعن عائشة في الآية قالت : هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه .

وأخرج النترمذي والبيهقي في سننه ، " عن فاطمة بنت قيس أنها سألت النبي عن هذه الآية قال : إن في المال حقا سوى الزكاة ، وتلا هذه الآية : { ليس البر أن تولوا وجوهكم } إلى قوله : { وفي الرقاب ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة } " .