فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال : { وفي أموالهم حَقٌّ للسَّائِلِ والمحروم } أي يجعلون في أموالهم على أنفسهم حقاً للسائل والمحروم تقرّباً إلى الله عزّ وجلّ . وقال محمد بن سيرين ، وقتادة : الحق هنا : الزكاة المفروضة ، والأوّل أولى ، فيحمل على صدقة النفل ، وصلة الرحم ، وقري الضيف ، لأن السورة مكية ، والزكاة لم تفرض إلاّ بالمدينة ، وسيأتي في سورة { سأل سائل } . { والذين فِي أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لَّلسَّائِلِ والمحروم } [ المعارج : 24 ، 25 ] بزيادة معلوم ، والسائل هو الذي يسأل الناس لفاقته .

واختلف في تفسير المحروم ، فقيل : هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنياً ، فلا يتصدّقون عليه ، وبه قال قتادة ، والزهري . وقال الحسن ومحمد ابن الحنفية : هو الذي لا سهم له في الغنيمة ، ولا يجري عليه من الفيء شيء ، وقال زيد بن أسلم : هو الذي أصيب ثمره ، أو زرعه أو ماشيته . قال القرطبي : هو الذي أصابته الجائحة . وقيل : الذي لا يكتسب . وقيل : هو الذي لا يجد غنى يغنيه ، وقيل : هو الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه . وقيل : هو المملوك . وقيل : الكلب . وقيل غير ذلك . قال الشعبي : لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم ، فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ ، والذي ينبغي التعويل عليه ما يدلّ عليه المعنى اللغوي ، والمحروم في اللغة : الممنوع ، من الحرمان وهو المنع ، فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل ، ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته ، ومن حرم العطاء ، ومن حرم الصدقة لتعففه .

/خ23