تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

الآية 19 وقوله تعالى : { وفي أموالهم حقٌّ للسّائل والمحروم } قال بعضهم : إن الآية في الزكاة : لكن هذا لا يحتمل ، لأن السورة مكية ، ولم تكن بمكة الصدقة المفروضة إلا أن يقال : إن السورة مكية إلا هذه الآيات إن ثبت .

وجائز أن يكون ذلك الحق ليس هو المفروض ، ولكنه{[19885]} حق سوى الفرض .

وقيل : إن الآية نزلت في قوم خاصٍّ جعلوا على أنفسهم ألا يردّوا سائلا ولا محروما ، ولا يمنعوا أموالهم من أحد ، فمدحهم بذلك . ألا ترى أنه ذكر الحق للسائل والمحروم ؟ وقد بيّن مصارف الزكاة الثمانية بقوله تعالى : { إنما الصّدقات للفقراء } إلى قوله تعالى : { فريضة من الله } [ التوبة : 60 ] .

ثم اختلف في تأويل المحروم والسائل :

قال عامة أهل التأويل : المحروم هو الذي لا سهم له في الغنيمة والفيء بألا يحضر وقت قسمة الغنيمة ، فلا ينال شيئا منها ، ويُحرَم من ذلك . وقال بعضهم : المحروم الذي هلك زرعُه وكرمُه ببلاء ، أصابه ، يُحرم من ذلك كما وصفه في سورة الواقعة : { إنا لمُغرَمون } { بل نحن محرومون } [ الآيتين : 66 و27 ] فلما حُرموا زرعهم وُصفوا بذلك .

وقيل المحروم الذي لا يعلم حِرفة أو{[19886]} كَسْبًا ، وهو مُحارَف /530-ب/ أيضا . وقيل : المحروم المُتعفِّف الذي به فقر ، لكنه لا يسأله الناس شيئا ، والسائل الطّواف .

وعندنا الفقراء ثلاثة : السائل الذي يطوف ، ويسأل الناس ، والمعترّ الذي يعترّ الناس ، ويُظهر حاجته للناس ، ويتعرّض للسؤال ، ولا يسأل صريحا ، والمحروم هو الذي يستر فقره وحاجته عن الناس ، لا يسألهم ، ولا يعترّ{[19887]} لذلك .

ثم جائز أن يكون سمّاه محروما بأنه{[19888]} حُرم المكاسب وأسباب العيش من التجارة والحِرفة وغيرهما .

وجائز أن يكون له المكاسب والأسباب ، لكنه محروم من إنزال المكاسب والأرباح في التجارة ؛ يكتسب ، ويعمل بتلك الأسباب ، لكنه مُحارف ، لا يُرزق منها شيئا ، والله أعلم .


[19885]:في الأصل وم: ولكن.
[19886]:في الأصل وم: وهو.
[19887]:من م، في الأصل: يعتبر.
[19888]:في الأصل وم: أو.