{ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ } أي : يتذكر بها المؤمن ، فينتفع بما فيها من التخويف والترغيب . { فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } أي : طريقا موصلا إليه ، فالله يبين الحق والهدى ، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها أو النفور عنها ، مع قيام الحجة عليهم{[1318]} .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحض على طاعته ، وبالتحذير من معصيته فقال : { إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } .
أى : إن هذه الآيات التى أنزلناها عليك يا محمد - تذكرة وموعظة للناس ، فمن شاء أن يتخذ إلى الله - تعالى - وسيلة وطريقة يتقرب بها إليه - تعالى - اتخذها ، لأنها خير هداية إلى رضاه - سبحانه - .
والتعبير بقوله : { فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } تحريض شديد على المسارعة إلى الطاعة ، لأن الله - تعالى - قد مكن الناس من ذلك ، حيث وهبهم الاختيار والعقول المفكرة ، وأرسل إليهم الرسل ليخرجوهم من الظلمات إلى النور .
ثم يوقظهم إلى الفرصة المتاحة لهم ، والقرآن يعرض عليهم ، وهذه السورة منه تذكرهم :
( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) . .
ويعقب على هذه اللفتة بإطلاق المشيئة ، ورد كل شيء إليها ، ليكون الاتجاه الأخير إليها ، والاستسلام الأخير لحكمها ؛ وليبرأ الإنسان من قوته إلى قوتها ، ومن حوله إلى حولها . . وهو الإسلام في صميمه وحقيقته :
استئناف ابتدائي للانتقال من بسط التذكير والاستدلال إلى فذلكة الغرض وحوصلته ، إشعاراً بانتهاء المقصود وتنبيهاً إلى فائدته ، ووجه الانتفاع به ، والحث على التدبر فيه ، واستثمار ثمرته ، وباعتبار ما تفرع عن هذه الجملة من قوله : { فمن شاء اتخذ } الخ يقوَى موقع الفذلكة للجملة وتأكيد الكلام بحرف { إن } لأن حال المخاطبين عدم اهتمامهم بها فهم ينكرون أنها تذكرة .
والإِشارة إلى الآيات المتقدمة أو إلى السورة ولذلك أُتي باسم الإِشارة المؤنث .
والتذكرة : مصدر ذَكَّره ( مثل التزكية ) ، أي أكلمه كلاماً يذكره به ما عسى أن يكون نسيه أطلقت هنا على الموعظة بالإِقلاع عن عمل سيِّىء والإِقبال على عمل صالح وعلى وضوح الخير والشر لمن تذكر ، أي تبصر بتشبيه حالة المعرض عن الخير المشغول عنه بحالة الناسي له لأن شأنه ألا يُفرِّط فيه إلاّ من كان ناسياً لما فيه من نفع له .
وفرع عليه الحث على سلوك سبيل مرضاة الله بقوله : { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً } ، أي ليس بعد هذه التذكرة إلاّ العمل بها إذا شاء المتذكر أن يعمل بها .
ففي قوله : { مَن شاء } حثّ على المبادرة بذلك لأن مشيئة المرء في مكنته فلا يمنعه منها إلاّ سوء تدبيره .
وهذا حثّ وتحريض فيه تعريض بالمشركين بأنهم أبَوا أن يتذكروا عناداً وحسداً .
واتخاذ السبيل : سلوكه ، عُبّر عن السلوك بالاتخاذ على وجه الاستعارة بتشبيه ففي قوله : { اتَّخَذ إلى ربه سبيلاً } استعارتان لأن السبيل مستعار لسبب الفوز بالنعيم والزُّلفى .
ويتعلق قوله : { إلى ربه } ب { سبيلاً } ، أي سبيلاً مُبلغة إلى الله ، ولا يختلف العقلاء في شرف ما يوصل إلى الرب ، أي إلى إكرامه لأن ذلك قَرارة الخيرات ولذلك عبر برب مضافاً إلى ضمير { من شاء } إذ سعادة العبد في الحظوة عند ربه .
وهذه السبيل هي التوبة فالتائب مِثل الذي كان ضالاً ، أو آبقاً فاهتدى إلى الطريق التي يرجع منها إلى مقصده ، أو سلك الطريق إلى مولاه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هذه} إن هذا السواد والحسن والقبح {تذكرة} يعني عبرة.
{فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} يعني فمن شاء اتخذ هذه تذكرة، فيعتبر، فيشكر الله ويوحده، ويتخذ طريقا إلى الجنة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"إنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ" يقول: إن هذه السورة تذكرة لمن تذكر واتعظ واعتبر.
" فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ سَبِيلاً" يقول: فمن شاء أيها الناس اتخذ إلى رضا ربه بالعمل بطاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه، سبيلاً.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إن هذه تذكرة} أي الأنباء التي ذكرت في القرآن، أو هذه المواعظ تذكرة لما لهم وما عليهم، وتذكرة لما لله عليهم ولما لبعضهم على بعض.
{فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: يقول: قد مكن كلا أن يتخذ سبيلا إلى ربه، أي لا شيء يمنعه عن اتخاذ السبيل إلى ربه إذا شاء، لكن من لم يتخذ [فإنما لم يتخذ] لأنه لم يشأ أن يتخذ سبيلا، وإلا قد مكن له ذلك.
والثاني: يقول: من شاء اتخاذ السبيل، فليتخذ السبيل إلى ربه.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
إنّ هذه تَذْكِرةٌ} يحتمل بالمراد ب "هذه " وجهين:
الثاني: هذه الخلقة التي خلق الإنسان عليها.
أحدهما: إذكار ما غفلت عنه عقولهم.
الثاني: موعظة بما تؤول إليه أمورهم.
{فَمَنْ شاءَ اتَخَذَ إلى ربِّه سَبيلاً} يحتمل وجهين:
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هذه} إشارة إلى السورة أو إلى الآيات القريبة.
{فَمَن شاء} فمن اختار الخير لنفسه وحسن العاقبة واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه والتوسل بالطاعة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{إن هذه تذكرة} يحتمل أن يشير إلى هذه الآية أو إلى السورة بأسرها أو إلى الشريعة بجملتها.
{فمن شاء اتخذ} ليس على جهة التخيير بل فيه قرينة التحذير، والحض على اتخاذ السبيل.
واعلم أنه تعالى لما شرح أحوال السعداء وأحوال الأشقياء قال بعده: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله}: والمعنى أن هذه السورة بما فيها من الترتيب العجيب والنسق البعيد والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، تذكرة للمتأملين وتبصرة للمستبصرين، فمن شاء الخيرة لنفسه في الدنيا والآخرة، اتخذ إلى ربه سبيلا. واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فمن شاء} أي أن يجتهد في وصوله إلى الله سبحانه وتعالى {اتخذ} أي أخذ بجهده من مجاهدة نفسه ومغالبة هواه {إلى ربه} أي المحسن إليه الذي ينبغي له أن يحبه بجميع قلبه ويجتهد في القرب منه {سبيلاً} أي طريقاً واسعاً واضحاً سهلاً بأفعال الطاعة التي أمر بها لأنا بينا الأمور غاية البيان وكشفنا اللبس وأزلنا جميع موانع أنفسهم عمن شئنا وركزنا ذلك في الطباع، ولم يبق مانع من استطراق أصلاً غير مشيئتنا، والفطرة الأولى أعدل شاهد بهذا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يوقظهم إلى الفرصة المتاحة لهم، والقرآن يعرض عليهم، وهذه السورة منه تذكرهم:
(إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)..
ويعقب على هذه اللفتة بإطلاق المشيئة، ورد كل شيء إليها، ليكون الاتجاه الأخير إليها، والاستسلام الأخير لحكمها؛ وليبرأ الإنسان من قوته إلى قوتها، ومن حوله إلى حولها.. وهو الإسلام في صميمه وحقيقته.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ابتدائي للانتقال من بسط التذكير والاستدلال إلى فذلكة الغرض وحوصلته، إشعاراً بانتهاء المقصود وتنبيهاً إلى فائدته، ووجه الانتفاع به، والحث على التدبر فيه، واستثمار ثمرته، وباعتبار ما تفرع عن هذه الجملة من قوله: {فمن شاء اتخذ...} يقوَى موقع الفذلكة للجملة وتأكيد الكلام بحرف {إن} لأن حال المخاطبين عدم اهتمامهم بها فهم ينكرون أنها تذكرة.
والإِشارة إلى الآيات المتقدمة أو إلى السورة ولذلك أُتي باسم الإِشارة المؤنث.
والتذكرة: مصدر ذَكَّره (مثل التزكية)، أي أكلمه كلاماً يذكره به ما عسى أن يكون نسيه أطلقت هنا على الموعظة بالإِقلاع عن عمل سيئ، والإِقبال على عمل صالح وعلى وضوح الخير والشر لمن تذكر، أي تبصر بتشبيه حالة المعرض عن الخير المشغول عنه بحالة الناسي له، لأن شأنه ألا يُفرِّط فيه إلاّ من كان ناسياً لما فيه من نفع له.
وفرع عليه الحث على سلوك سبيل مرضاة الله بقوله: {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً}، أي ليس بعد هذه التذكرة إلاّ العمل بها إذا شاء المتذكر أن يعمل بها.
ففي قوله: {مَن شاء} حثّ على المبادرة بذلك لأن مشيئة المرء في مكنته فلا يمنعه منها إلاّ سوء تدبيره.
وهذا حثّ وتحريض فيه تعريض بالمشركين بأنهم أبَوا أن يتذكروا عناداً وحسداً.
واتخاذ السبيل: سلوكه، عُبّر عن السلوك بالاتخاذ على وجه الاستعارة بتشبيه ففي قوله: {اتَّخَذ إلى ربه سبيلاً} استعارتان لأن السبيل مستعار لسبب الفوز بالنعيم والزُّلفى.
ويتعلق قوله: {إلى ربه} ب {سبيلاً}، أي سبيلاً مُبلغة إلى الله، ولا يختلف العقلاء في شرف ما يوصل إلى الرب، أي إلى إكرامه لأن ذلك قَرارة الخيرات ولذلك عبر برب مضافاً إلى ضمير {من شاء} إذ سعادة العبد في الحظوة عند ربه.
وهذه السبيل هي التوبة فالتائب مِثل الذي كان ضالاً أو آبقاً فاهتدى إلى الطريق التي يرجع منها إلى مقصده، أو سلك الطريق إلى مولاه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} في ما تعبر عنه هذه السورة من حقيقة الوجود الإنساني وحرية الاختيار في الإنسان، وآفاق الهداية في حياته، وحركة المسؤولية في التزاماته في دائرة السلب والإيجاب، ونتائج المواقف غداً بين يدي الله، ما يفتح قلب الإنسان على الله ليذكره دائماً، فلا يغفل عنه القلب واللسان والروح، ليتجه إليه في عمله، وليستمع إلى النداء الرسالي الصادر منه في دعوته إلى الناس أن يأخذوا بالطريق المستقيم، {فَمَن شاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} فإن الطريق مفتوح للوصول إلى الله بكل رحابته، من دون موانع ولا حواجز.